أ.د.عثمان بن صالح العامر
أحياناً يلفت انتباهك الأجر العظيم الذي رتبه الرب سبحانه وتعالى سواء في كتابه الكريم أو على لسان نبيه الكريم على عمل يسير تعتقد أنت بالعقل المجرد أنه لا يستحق كل هذا الأجر، ومن هذه الأعمال اتباع الجنازة، إذ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَنِ اتَّبَعَ جَنَازَةَ مُسْلِمٍ، إيمَانًا واحْتِسَابًا، وكانَ معهُ حتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا ويَفْرُغَ مِن دَفْنِهَا، فإنَّه يَرْجِعُ مِنَ الأجْرِ بقِيرَاطَيْنِ، كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ أُحُدٍ، ومَن صَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ أنْ تُدْفَنَ، فإنَّه يَرْجِعُ بقِيرَاطٍ)
وأحد الجَبَلُ المعروفُ على مَشارِفِ المدينةِ مِن الجِهةِ الشَّماليَّةِ على بُعدِ 4 أو 5 «كم» مِن المسجدِ النَّبويِّ، وطُولُه 7 كم، وعرْضُه بيْن 2 و3 كم، وارتفاعُه يَصِلُ إلى قُرابةِ 350 مترًا.
توقفت كثيراً متأملاً في هذه المعادلة (الأجر مقابل العمل) متسائلاً عن سر ذلك، ومع أنه ليس شرطاً إدراك العلة من الحكم كما هو معروف لدى أصحاب الاختصاص إذ الإسلام قائم أساساً على التسليم المطلق لما صح من الأدلة والنصوص إلا أنني كنت تواقاً للتوصل عن حل لهذه الثنائية ووجدت أن في هذا العطاء الرباني العظيم حكماً وأسراراً لعل منها في نظري:
- إعزاز الإنسان المكرم عند الله حياً وميتاً، فهو وإن رحل عن هذه الدنيا فإن من له الإعزاز والتكريم حتى بعد موته، لذا للقبر حرمته، وللمقبرة سكن الأموات أحكامها كما هو معروف، وهذا من مظاهر الإيمان بالله عز وجل.
- إشعار أهل الميت وأقاربه ومحبيه بمعزة من رحل، ومشاركتهم مشاعر الحزن، ومواساتهم في مصابهم.
- التحلل منه لحظة دفنه، والدعاء له حين سؤاله أول وضعه في لحده.
- تذكير المصلي والمشارك في الدفن بالمصير المحتوم الذي سيكون له يوماً ما.
- إرسال رسالة للعالم الخارجي عن تكاتف المجتمع مع بعضه البعض في الأحزان كما هو الحال حين الفرح.
- نعم نحن ننتمي إلى دين يولي الجوانب الاجتماعية والتكاتف والتراحم اهتماماً عظيماً سواء في شرائعه التعبدية أو أخلاقياته وسلوكياته العامة فمن حكم مشروعية الصلاة في المسجد مثلاً التقاء الجار بجاره والسؤال عنه والاطمئنان عن حاله، ولعله من هذا الباب مثلاً لم يجد رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن أم مكتوم الأعمى عذراً في ترك المسجد، فهو إن بقي حبيس البيت لا يراه أحد ولا يجلس إليه أحد ولا يتحدث له ويتكلم معه أحد ولا يسأل عن حاله ويطمئن عليه أحد فتزيد همومه وتكثر شوكاه وتتراكم عليه ضغوطه النفسية من جراء بقائه في بيته طوال ليله ونهاره، فلنكن كما أرادنا الرب رحماء بيننا لننال رحمة الله. ولنتواصل ولنتواسَ ولنكن لحمة واحدة وبيناناً متراصاً في الأفراح وحين الأحزان. دمتم بخير وإلى لقاء والسلام.