د. أحمد محمد الألمعي
يزخر تاريخ المنطقة العربية بحضارات قديمة موغلة في التاريخ ازدهرت على مر العصور، أمثال حضارات بابل والدولة العباسية في العراق وحضارات الرومان والدولة الأموية في الشام، والآثار التاريخية تشهد على هذه الحضارات أو ما تبقى منها. وبينما اتخذت هذه الحضارات مناطق الشمال مقرا لها وازدهرت فيها، كانت شبه الجزيرة العربية مقرا لقبائل العرب والتي كانت في معظمها من قبائل البدو الرحّل، التي اتخذت من الصحراء موطنا لها رغم طبيعتها الجافة القاحلة.
ويحكي التاريخ في الجزيرة العربية تاريخ هذه المنطقة وأسلوب العيش فيها، وتعكس المعلقات الشعرية أسلوب الحياة والعادات والتقاليد العريقة التي يفتخر بها البدو مثل الشجاعة والمروءة وإكرام الضيف. وبقيت كثير من تلك العادات متأصلة في سكان شبه الجزيرة العربية إلى حد كبير وحتى يومنا هذا على عكس مناطق شمال الجزيرة العربية التي حدثت تغييرات كبيرة في تركيبتها الاجتماعية والدينية والسياسية غيَّرت كثيرا من طباع وتفكير تلك المناطق بسبب الاستعمار وعوامل أخرى.
واستمرت مناطق شمال شبه الجزيرة العربية في الازدهار فهي مناطق خضراء جميلة الطبيعة والطقس بعكس مناطق كثيرة في جنوب شبه الجزيرة العربية التي كانت في معظمها صحراوية ولا تصلح للزراعة، وعانى سكانها من الفقر والجوع لفترات طويلة اضطرتهم في الماضي إلى الهجرة إلى مناطق في الشمال وإلى قارات أخرى طلبا للرزق. واستقر كثير منهم في مناطقهم الجديدة بينما عاد البعض منهم إلى الوطن الأم بعد تغير الأحوال المعيشية بعد ظهور النفط. وبلغ حد الترف والتباهي في سعة العيش في مناطق الشمال حدودا خيالية، وانعكس ذلك حتى في التطور الاجتماعي والثقافي والتعليمي وحتى السياسي، فسميت بيروت بباريس الشرق وكانت تلك الدول في الماضي مقصدا لمن يطلب العلم والثقافة.
ويحلو لعرب الشمال من وقت لآخر انتقاد عرب الجنوب ولمزهم بأصولهم البدوية وكون عاداتهم «متخلفة ورجعية» كما نسمع في تصريحات بعض السياسيين. واذكر على سبيل المثال تصريحات وزير خارجية لبنان السابق شربل وهبه بوصف السعوديين بـ «أهل البدو» كناية عن التخلف.
ولكن سبحان مغير الأحوال، فبنظرة سريعة لأحوال المنطقة نرى كيف انعكست الآية، فنرى بدو جنوب الجزيرة ينهلون من العلم والثقافة من أفضل جامعات العالم ويبنون حضارة عظيمة ويحققون النجاحات العلمية والتقنية المستمرة، ونرى التقدم في جميع المجالات ونرى شعوبنا - بفضل الله - تنعم بالخيرات بفضل القيادة الرشيدة وننعم في أوطاننا بالأمن أدامه الله علينا، وبالمقابل نرى عرب الشمال وبخاصة من ارتضوا أن يكونوا أذناب أعدائنا، فأحوالهم صعبة ولا نتمناها لهذه الشعوب فهم إخواننا في العروبة، ولكن الله ابتلاهم بقيادات ومنظمات إرهابية تمكنت من مفاصل هذه الدول. ويستمر قادة الضلال وسارقو قوت الشعوب في المكابرة رغم الوضع المأساوي لبلادهم وشعوبهم، فهذا هو مسلك الطغاة وهو ردة فعل نفسية لحماية الذات، لأن الإقرار بالخطأ يعني نهاية التنظيمات الإرهابية وزوال الفكر المتطرف وعمائم الضلال، وابتعاد كل من يدعمهم عنهم وزوال كل النعم والمراكز والثروات التي حققوها من خلال استغلال قطيع المغفلين والمقهورين الذين يستمرون في الدعم المالي والسياسي والمعنوي حتى الدمار الكامل، وعندها يهرب زعماء الضلال بما جنوا من ثروات للاحتماء بالغرب الذي يهاجمونه ليل نهار أو قد يحل بهم الدمار كما حل بمن سلك مسلكهم، والعقاب لهم في الدنيا والآخرة والعبر من التاريخ كثيرة، قال تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ). نسأل الله العافية والسلامة وحفظ الله قيادتنا وشعبنا.