ما إن أزمعت أن أخط هذه المقالة التي تتناول ذلك الشعور بالبهجة والفرح الذي غمرني بصدور العدد 700 من هذه المجلة الثقافية العامرة، حتى هتف به عقلي الوعي؛ رويدك!. فهناك فرحة أخرى لك ولصحبك من المشتغلين بالعمل الثقافي، تتمثل في دخول هذه المجلة التثقيفية والثقافية في آن الوقت، التي تتسم موضوعاتها بالنوعية والفرادة؛ عامها العشرين.
فهذه المجلة البهية الطلة التي أجدني أشبهها بالحورية الفاتنة، وتميل نفسي لأن تتمثل في وصفها؛ بقول ابن قيس الرقيات:
جنية برزت لتقتلني ... مطلية الأصداغ بالمسك
عجباً لمثلك لا يكون له ... خرج العراق ومنبر الملك
قد كان صدورها الأول في 1423/12/29هـ ، وخلال الزمن التاريخي الممتد عقب الصدور، قد كانت هي تلك الفاتنة التي تتضوع عطرًا وبهاء في الإخراج، وتنوع موضوعي وتجدد في المعالجة والطرح، حتى أنها قد غدت ملكة متوجة على عرش الصحافة الثقافية في الداخل السعودي.
وإن مما دفعني لأن أكتب عنها في عددها المتفرد هذا؛ إنما هو شهادة المنصف الذي يرتقى مرتقىً عاليًا، يُمَكِّنه من رصد المشهد على حقيقته، ومن رسم تحولاته الحدثية الكبرى. حيث جربت خلال ذلك إعمال عقلي في البواعث التي ضمنت للمجلة الثقافية بقائها، وعززت من حضورها رغم خفوت الضوء عن مثيلاتها لأسباب عدة، أبسطها يتمثل في سيطرت برامج التواصل الاجتماعي على المشهد خلال السنوات الماضية.
ويقيني بأن الأسباب متعددة ومتنوعة، لكن يمكن لي اختزال أبرزها فيما يلي: في البدء ومنذ الانطلاقة الأولى لهذه المجلة الغراء، قد قدر لها الله أن يعمل على تحرير موادها، وإخراجها للعلن في ثوبها القشيب المطالع؛ جملة من الأدباء والكتاب الصحفيين ممكن يملكون الموهبة الحقيقية والرؤية الإبداعية في الكيفية التي يمكن من خلالها أن تحقق الصحافة الثقافية الحضور البهي الدائم في المشهد الثقافي على عمومه.
ومن هنا فقد نحت هذه المجلة الغراء باتجاه العمل على تقديم صحافة ثقافية تثقيفية تتسم بالتنوع في الطرح والتميز في الذائقة. ومما يؤكد ما ذهبت إليه في هذا الصدد؛ إنه لا يزال لها قراؤها وجمهورها الذي لا ينفك عن متابعة أعدادها الصادرة أسبوعيًا.
هذا إلى جانب أن هذه المجلة قد جعلت قبلتها الجيل الواعد من الأدباء الشباب، وأعني بذلك حرصها على إكسابهم المعرفة الثقافية الهادفة، فنجد في ثناياها القراءة النقدية الموضوعية الجادة، ونجد اللوحة الشعرية وصنوتها التشكيلية، إلى جانب غيرها من الأنواع الأدبية التعبيرية المتعددة. ويمكن للمراقب المنصف، أن يرصد إحدى إيجابياتها العديدة والمؤثرة في المشهد الثقافي السعودي على عمومه، إنها قد أتاحت للجيل الواعد من الأدباء الشباب، النشر في صفحاتها، ولم تقصر أعمدتها وصفحاتها على النخب.
حقيقةً، إن المجلة الثقافية بهكذا صنيع، قد أمست تشكل رافدًا رئيسً في التثقيف المجتمعي، وفي تعزيز المعرفة الأدبية الجمعية، الأمر الذي جعل منها قبلة الجميع من كتاب وأدباء ومثقفين وقبل ذلك قراء، وضمن لها تلك المكانة العلية في المشهد الثقافي السعودي التي حين يطالعها أحدنا يجدها تملئه بهجةً وغبطةً ورضاء.
** **
- د. حسن مشهور