ملحق الجزيرة الثقافي أو المجلّة الثقافيّة، سمِّها ما شئت، فليس هذا هو المهمّ، وإنّما المهمّ هو الإشارة إلى حجم الفائدة التي ستتحصَّل عليها إن تصفَّحْت أوراقَها وكان لديك الجَلَد لتتبُّعِ كلِّ حرفٍ دُوِّنَ فيها؛ فغناها لا يسمح لك بتفويتَ أيٍّ من هذه الحروف التي اشتغل عليها صفوةُ المثقَّفين، وجهابذةُ الأدباء، وعمالقة الكُتّاب من السّعوديّة وخارجها. إنَّ أعدادها السبعين قد حفَلَت بأعذبِ القصائد، وأحسنِ الْقَصَصِ، وأقوى المقالات وأجرئها... فلقد آلت على نفسها منذ تاريخ صدورها في التاسع والعشرين من شهر ذي الحجّة لعام ألفٍ وأربعمئةٍ وثلاثةٍ وعشرين للهجرة - الموافق الثالث من شهر مارس (آذار) لعام ألفين وثلاثة للميلاد، أن تكونَ موئلًا للإبداع، وحاضنة للمبدعين، ومتنفَّسًا لكلّ من يبحث عن الكلمات الرصينة وينفر من الإسفاف الفكريّ واللّغويّ؛ نتحلَّق حولها في صبيحة كلِّ يوم جمعة - في موعدها الجديد - نبتسم ونحن نعانق رائحةَ أوراقِها وحبرِها، ونكاد نطبع قبلةً على صفحتها الأولى، قبل الشروع في تصفُّحها.
ربّما تكون شهادتي فيها مجروحة، كَوْني مِنْ ضمن مَنْ تشرّفوا بالكتابة فيها؛ ولعلّ من المفارقات أنّ انطلاقتي الأدبيّة كانت من خلالها، وما زلت أسعد أيّما سعادة كلّما ظهر اسمي في عددٍ من أعدادها. الجميلُ في هذا الملحق الأدبيّ المتفرّد، احتضانُه - منذ انطلاقته - عددًا من الشباب ذوي الأقلام الواعدة، ومنحُهم الفرصة كاملة لإثبات وجودهم، حتّى أصبح العديد منهم من أعلام الكُتّاب والأدباء السعوديِّين في العقدَيْن الأخيرَيْن؛ جسّد ذلك الأستاذ محمد بن هليل الرويلي الذي برز من خلالها، فجابَ البلاد العربيّة من محيطها إلى خليجها، في رحلته الموسومة بـ «رقيم ودهاق أوطاننا العربيّة»، راصدًا حراكَها الثقافي والأدبي، محتفيًا برموز الفكر والأدباء والكُتّاب من البلدان الشقيقة؛ تلك الرحلة الرائعة التي بدأها الصديق الرويلي في العام 2017م وانتهى منها في العام 2020م، عندما حطّ رحاله وأناخ راحلته في أرض الوطن - أرض الجزيرة العربيّة، لتكون نهاية هذه الرحلة مع الأدب السعودي، أو لنقل، رقيم المملكة العربيّة السعوديّة الذي تناوله في عدد من الملاحق بما يتناسب مع حجم الحراك الثقافي السعودي المتنامي بشكلٍ كبيرٍ في السنوات الأخيرة.
من الأسماء التي خلّدها أيضًا هذا الملحق المتفرِّد، الأخ والصديق جابر بن محمد المدخلي الذي لطالما أمتعَنا بحواراته التي أجراها مع نُخَب المثقَّفين والكتّاب والأدباء، إضافة إلى دوره المحوريّ في دعم منشورات الملحق على تطبيق «تويتر»، بصحبة أخيه محمّد الرويلي الذي يدير حساب الثقافيّة ويرأس تحريرها في هذا التطبيق الشهير، ويتشاركان تحرير الملحق الورقي؛ كلّ ذلك بالطبع تحت إدارة وإشراف ومتابعة الرمز الثقافي السعودي الذي يحقّ لنا الافتخار به وبمجهوداته الرائعة، خدمةً للحراك الثقافي السعودي، من خلال هذا الملحق الذي يرأس تحريره، وأعني بذلك الأديب المفوّه والكاتب الرصين الدكتور إبراهيم بن عبدالرحمن التركي الذي أخذ على عاتقه إدارة تحرير هذا الملحق، وأوصله إلى الصورة الرائعة التي هو عليها الآن.
أجمل ما يحفل به هذا الملحق هو التنوُّع الكبير في أطروحاته الثقافيّة، وإلمامُه بكلّ أجناس الأدب، فيجد فيه هواةُ الشعر الفصيح بُغيتَهم، وأصحابُ السَّرد بكلّ أنواعه القصصيّة والروائيّة ضالَّتَهم، دون إهمال الدراسات النقديّة، أو المقالات التثقيفيّة، أو التحقيقات والحوارات والمقابلات الصحفيّة التي لا يخلو منها عدد من الأعداد، ناهيك باحتفائه بالفنّانين التشكيليّين، وبثّ لوحاتهم على صفحات الملحق بثوبه الجديد الذي ارتداه مؤخَّرًا، يجمِّل كلَّ ذلك احتواؤه على مختلف الأقلام، دون تحيُّزٍ لمدينةٍ من المدن، أو جهة من الجهات، أو فكر معيَّن دون فكر، بل تجد أقلامه تمثِّل فسيفساء هذا الوطن ككلّ، وترصد واقعَنا الجميل الذي نعيشه.
فهنيئًا لنا بهذه المجلّة الثقافيّة، وهنيئًا لها بنا. وأظنّ أنّه من حقِّنا جميعًا أن نحتفيَ بعشرين عامًا من العطاء هي عمرُ مجلَّتنا الثقافيّة.
** **
- حامد أحمد الشريف