د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** الحمدُ لله بدءًا ومنتهىً؛ فله الفضل كلُّه في أنْ كُنّا آخِرَ الصفّ أو قريبًا منه فبلغْنا أولَه أو نكاد من غير أن نُزاحمَ، أو نؤذيَ، أو نرتقيَ دون حق، أو نغمط من له الحق، أو نبالغَ في الدعايةِ والادّعاء، أو نخسرَ صداقاتنا داخل الوسط الثقافيّ أو خارجه، أو نلجأَ إلى أساليب غير مِهْنية، أو نتجاوزَ في سلوكنا القوليّ والعمليّ؛ فكذا نظنّ، وليس كل الظنِّ إثمًا، وكذا نعلم ونستغفر اللهَ مما لا نعلم ،وهو توفيقٌ من العليِّ القويِّ القادرِ؛ فما كان نتاجَ تخطيطٍ أو مهارةٍ أو جدارةٍ، والذي يراعِي اللهَ سبحانه فإنه يرعاه.
** كانت البداياتُ قبل صدور المجلة الثقافية قاسيةً في المعنى والمبنى؛ فالساحةُ تضجّ بصراع الحداثة والتقليد، والشخوص والنصوص، والأدب الإسلاميِّ والإبداعيّ، ولم يكن صراعًا فكريًا مجردًا لوجه الحقيقة، بل كان مملوءًا بالسوءِ من المَقول والمنقول، أو بأكثرَ فصاحةً بين أدلجاتٍ متنافرةٍ صحويةٍ وغير صحوية، وأراد الله لنا أن ننأى – بمقدار ما استطعنا - عن الصدام المؤلم الذي صنَّفَ وصنَّم وظلمَ وحكم، وأساءَ إلى أفرادٍ وجماعات؛ فأسوأُ ما في تلك المرحلة الاستقطاباتُ التي حدَّدتْ مساراتٍ إلزاميةً؛ فإمّا أن تكون مع أولاء أو مع أولئك ضدَّ هؤلاء أو أولئك، وأثبت الزمنُ أن اللجاجَ عبثٌ يستنزفُ طاقاتِ ذويه، والتحيز يحول دون التميز، والإساءات مآثم ومظالم، والهدْر الذهنيّ مغارمُ من غير مغانم.
** قدَّمنا خلال تلك الفترة صفحةً يومية لم يكن لنا فضلُ إيجادها، وسبقتنا فترةٌ بملحقٍ أسبوعي؛ فأوجدنا ملحقين ثقافيين أسبوعيين، يومي الأحد والخميس، وكنا نطمحُ إلى ملحق ثقافيٍ يومي، وما الظنُّ أن هذه التجربةَ كانت مسبوقة، وحين نبعت فكرةُ إصدار المجلة الثقافية بمبادرةٍ من أستاذنا رئيس التحرير (خالد المالك) – ولا شأن لسواهُ بها - لم يستغرق التفكير بضعَ دقائق في اجتماعٍ مغلقٍ بيننا فقط، فاتفقنا على وضع مخططِ الإصدار وآلياتِه من قبل مدير التحرير خلال أيام، مع مهلةِ شهرٍ قبل الصدور، ويسَّر الله الأمر؛ فكان العددُ الأولُ في مستهلِّ الألفية الثانية، وها هو العددُ المئويُّ السابعُ متزامنًا مع دخول المجلة الثقافية عامَها العشرين.
** تعثرت ونهضت، وأُحبطت فتفاءلت، وأضافتْ كتبًا وملفات، وامتدتْ بمتعاونين ومتعاونات أعطَوْها أوقاتَهم وأخلصوا في اجتهاداتهم، وتبدلت خارطةُ محرريها وكُتّابها فظلّت بمنْ استمرّ، وتبدل شكلها وتوقيتُ نشرها، وتأثرت بالظروف التي تمرُّ بها الصِّحافةُ الورقية دون أن تندثر، واختطّت منهجَ الإصدار الآلي في ثلث صفحاتها الاثنتي عشرة، وأوجدت موقعًا لها في الوسائط الرقمية، وصارت تُوزعُ بهيئة ملفٍ على آلاف المعنيين بالشأن الثقافي ضمن مبادراتٍ ذاتيةٍ، وأيقنتْ وتوقن أن الثقافةَ وعيٌ وسعيٌ ناءٍ عن التظاهر والتمظهر.
** لا نرسمُ صورةً زاهيةً لثقافة الوطن ولا نودّ؛ فلكل زمنٍ ناسُه وأدواتُه، وما نراه جميلًا سيأتي بما هو أجمل، وقد تبدو الصورةُ الثقافيةُ العامةُ غائمةً لكنها ليست قاتمة، وقلقةً لا يائسة، والخشيةُ في الآتي والآتين أن تتوارى أمامهم الإسهاماتُ الفرديةُ والمؤسسيةُ الثقافيةُ فلا يجدُ الجيل الجديدُ النابهُ مكتبةً تؤسسُه، ومجلةً تثقفُه، ونُخبًا تسندُه، ووسائطَ تعلو به، ومنتدياتٍ تحترمُ عقلَه، ومراكزَ تدنيه من الثريّا ولا تغوصُ به في الثرى.
** الصِّحافةُ تشكو، والأنديةُ الأدبيةُ تشكو، والمكتباتُ العامةُ تشكو، وندعو الله ألا يتوقفَ الرقمُ ولا ينضبَ المِرقمُ ولا يُفلس الرقيم، وقد أعانَ سبحانه أجيالًا مضت، ولن يتخلى عن أجيالٍ تجيء؛ وإذ لنا أمسُنا فلكم غدُكم، وستكون راياتُكم - بحوله تعالى- أعلى وأغلى.
** الثقافةُ ركازٌ لا ارتكاز.