سهام القحطاني
لعل هذه المقالة من المقالات النادرة التي أتجرّد فيها من عباءة الفكر وأنا أكتب واستمتع بالوجدانية ولطائفها، لأن الحديث عن الذكريات يحلو مع رقة الوجدانية ويُشق بوحه مع المنطق وإن كان بعض المنطق الأليف في ثنايا هذه المقالة لا يضّر.
* اخترت عنوان هذا الموضوع «حكايتنا مع الثقافية» مع مئوية الثقافية حتى أُشير إلى بعض الأمور منها أن الثقافية بقيادة المبدعين الرائعين عميد الصحافة السعودية الأستاذ خالد المالك والمبدع الرائع الذي تعلّمنا منه الكثير الدكتور إبراهيم التركي، لم تكن لي وأنا على يقين ولبقية الزملاء والزميلات اللذين أتشرّف بالكتابة معهم مجرد صفحات من حبر وورق، بل كانت الملتقى الفكري والثقافي الذي نلتقي به كل أسبوع نرى بعضنا البعض دون شاشات أو مقاعد ونسمع بعضنا البعض دون سماعات، هذا العقد غير المكتوب الذي خلق منّا عائلة واحدة نستأنس بالموجود والحاضر، ونفتقد المُغادِر والآفل، لكنه رغم الغياب يظل فرداً من عائلتنا الثقافية ولو استقل في بيت آخر، وهذه كبرى القيم التي تعلّمناها من الثقافية، أن تكون لك عائلة افتراضية تحبهم وتقدرهم وتشعر نحوهم بالانتماء والحنين وإن كنت لا تعرف سوى صورهم وأسمائهم،لكن كلماتهم وأفكارهم وإن كانت خلاف ما تعتقده هي التي شكلت داخل عقلك ومشاعرك شخصيتهم.
*لم تكن ولن تكن الثقافية مجرد حاضر يتلاشى مع شمس المستقبل أو موجود مجازي يختفي مع تحديات العالم الرقمي، فالثقافة والفكر حياة ولذلك سيظلان عصيين على الاستعمار الرقمي، فقد نمت الثقافية في ظل تحديات منافسة الجودة والقيمة فما زادتها المنافسة إلا بريقاً وتقدمت في حين أن الآخرين فلتت منهم عجلة القيادة نحو الماراثون الثقافي.
إن قيمة النجاح الحقيقي ليست القمة، بل المحافظة على نجاح القمة، وهذا يعني البحث المستمر عن الإضافة، فالأرض الخصِبة تُزهرها أمطار الصيف.
* إن التجربة الواقعية هي أفضل من ألف كلمة، لقد خسرت بعض الملاحق الثقافية العريقة التي كانت تتشدق بالحرية الفكرية وفتح صفحاتها للتنوع الفكري والثقافي وضمان استحقاق الاختلاف وهي تحت الطاولة كان تمارس تحيّزها وتطرفها الفكري تحدي البقاء، فلا بقاء لثقافة الحملان الوديعة، فالمرعى المسّور سريع الجدب.
لقد تعلّمنا من الثقافية بالتجربة لا بالظاهرة الصوتية أن صفحاتها تسع الجميع، وأن الاختلاف مصدر قوة البقاء، فلا فرق بين فكر ولا فكر، تعلمنا أن الثقافة تزدهر بالتعددية و التنوع، فالصوت الواحد «صنم عبادة» لا يُورّثنا إلا أثم التطرف والوثنية الفكرية.
* بدأنا أقلاماً غضة هنا في الثقافية، ونضجنا على صفحاتها، وأرجو أن نهرم تحت ظلالها، فنصبح جزءاً من ذاكرة أرضها وذكريات أشجارها، كما كانت لنا ماء حياة لأفكارنا فأصبحت لنا المهد و المهاد.