د. نورة سعيد القحطاني
القارئ والمتابع للمجلة الثقافية يدرك بعمق الدور التنويري والثقافي بل والاجتماعي أيضاً الذي نهضت به منذ صدور العدد الأول عام 1423 وحتى الآن. فقد رصدت التحولات الثقافية التي مر بها المشهد المحلي والعربي خلال هذه الفترة الزمنية، كما مهدت الطريق لظهور الأفكار الجديدة حول القضايا الثقافية والفكرية ودعمت المحتوى الأدبي والفني كوسيلة لنشر هذه الأفكار. وهي هنا تلعب دوراً حيوياً في هذه الوظيفة المزدوجة كعامل من عوامل تحديث الثقافة المحلية وتوسيع نطاق جمهور «الثقافة».
وغدت شمولية الثقافة في المجلة الثقافية بطبيعتها المفتوحة والمتسلسلة، وسهولة تداولها وقراءتها، محفزًا مهمًا للعلاقات بين الكتاب وجماهيرهم، كمنتج ثقافي راق ساعد بشكل كبير على فتح الحوار بين المثقفين والمؤلفين، لإدراج نصوص ذات طبيعة متنوعة، من أجل انتشار واسع نسبيًا -على الأقل بين الدوائر الفنية والأكاديمية والفكرية في المشهد المحلي- وليس أقل أهمية، لإنشاء قنوات اتصال مع جمهور قارئ يهتم بالأدب والفنون.
وكانت المجلة الثقافية وسيطًا فاعلًا في تشكيل الأفق المناسب لنشر ودعم الخطابات الجديدة في الأدب والشعر والفنون البصرية والسينما والتصوير والمسرح والكاريكاتير والقصص القصيرة والموسيقى وحتى التحليل النفسي واللغويات، والعلوم الاجتماعية. وشكّل نشر هذه المنتجات المتنوعة في بداية الألفية الثالثة حافزًا لتغذية بيئة ثقافية حديثة تشجع إنتاجًا ثقافيًا «مختلفًا»، ووفر للمبدعين والنقاد والدارسين مساحات مختلفة للالتقاء وتبادل الأفكار حول المدارس والنظريات الأدبية «الجديدة» وكذلك حول التيارات المختلفة من غربية وعربية.
كما كان للمجلة الثقافية دور أساسي كناشر لأعمال كثير من الكتاب -رجالًا ونساءً- والتعريف بالناشئين الذين يعانون من صعوبات جمة في الوصول إلى سوق النشر «المحلي والعربي». وساعدت كتابات الأكاديميين التي تنشرها المجلة على تجديد الخطابات القائمة من جهة، وعلى توفير مادة ثقافية جادة وقراءات نقدية عميقة تعد مصدراً مهماً للدارسين والباحثين في الجامعات المحلية وخارجها من جهة أخرى.
وفي ظل انتشار التحولات الرقمية بادرت المجلة الثقافية بالتكيف مع متغيرات سوق النشر الورقي
وواجهت المهمة الصعبة المتمثلة في ضمان آليات مناسبة للتواصل مع الجمهور، وكذلك لنشر المنتجات الثقافية النوعية التي تعودت على اختيارها بحس أدبي ملموس.
ولمواجهة هذه التحديات فتحت قنوات تواصل جديدة على منصات التواصل الاجتماعي المعروفة وحظيت بإقبال القراء من أجيال مختلفة، واستفاد كلا الاتجاهين -الورقي والرقمي- من تأسيس الثقافية لخطاب جديد يوضح أهمية التكيف مع بيئة الاتصالات الرقمية الجديدة من خلال وسيط جديد يعيد تعريف مفهوم المجلة ويعيد تنظيم العلاقات المؤسسية بين الإعلام والصناعات الثقافية.
وكل مئوية جديدة لمجلتنا الثقافية تضيف لها ولكتابها ولقرائها بعدًا أعمق.