ينتظر قُرّاء صحيفة الجزيرة بشغفٍ نهايةَ كلّ أسبوع ليطلّ عليهم واحدٌ من أكثر الملاحق الثقافية الأدبية ثراءً وتنوّعًا وبهاءً ورواجًا في العقدين الأخيرين في تاريخنا الصحفي السعودي، فهو زادٌ ثقافيٌّ فاخر ومتنوّع أحسن التنوّع، تجد فيه اللغة والأدب والتاريخ والفنون والقصة والشعر والسيرة الذاتية وتراجم الأعلام، وترى رصدًا للحركة الأدبية والثقافية العامة في المملكة والعالم العربي، ولم يتجاوز العمر الزمني لهذا الملحق عقدين، إذ انطلق في سنة 2001م، ولكنه شقّ طريقه وسار فيه بثبات وتبوّأ مكانته المرموقة بين الملاحق الثقافية والأدبية بفضل الرعاية الفائقة التي يبذلها مهندسه ومشرفه الكاتب الأديب الدكتور إبراهيم التركي، فحين كانت الملاحق الأدبية في صحافتنا تذبل أوراقها كان هذا الملحق ينمو ويزهر ويسرّ الناظرين، وكنتُ أترقّب ظهوره كل يوم خميس، وأبعث ابني يأتيني بالنسخة الورقية لصحيفة الجزيرة، وكذلك كنت أفعل حين تحوّل توقيت النشر إلى يوم السبت ثم يوم الجمعة، كنت أدور مع توقيت هذا الملحق، وأحجز نسختي الورقية، قبل رواج النسخة الإلكترونية والتعوّد عليها وأنا لا أجد لذة القراءة إلا حين تداعب يدي الورق وتقلبه وأسمع خشخشته وأشمّ رائحته.
وللملاحق الأسبوعية الثقافية في صحافتنا تاريخ وطعم خاص، فهي الزاد الثقافي الأسبوعي الذي ينتظره القُرّاء بشغف، وكانوا قبل أربعة عقود يتابعون النشاط الثقافي والأدبي الذي تقدّمه بعض الصحف الورقيّة كالندوة والمدينة والبلاد والجزيرة والرياض وعكاظ، وأتذكّر أنني كنت أترقّب صدور الملحق الثقافي بصحيفة الندوة الذي كان يشرف عليه الأستاذ محمد موسم المفرّجي، رحمه الله، وقرأنا على صفحاته معارك أدبية بين تيار المحافظين وتيار المجددين المتمثل في الحداثة، وكان لمحمد المليباري مقالات في نقد الحداثة والتعرّض لأحد رموزها في بلادنا: الناقد الدكتور عبدالله الغذامي، وكنا نطالع أيضا ملحق الأربعاء بصحيفة المدينة، وتعاقب على الإشراف عليه عدد من الأدباء والمثقفين كان من آخرهم الدكتور فهد الشريف، وكذلك كنت أترقّب ملحق التراث بالصحيفة نفسها، وهو ملحق لغوي أدبي، يشرف عليه اللغوي القدير أستاذنا الدكتور محمد يعقوب تركستاني، وكنت أشارك فيه بالكتابة، وكتبت أيضًا مقالات عديدة في ملحق الأربعاء.
ومما أتذكره من مقالات كان القراء يترقّبونها بشغف موضوع يتناول نرجسية المتنبي وأخلاقه وشاعريته، وهي معركة أدبية دارت نقاشاتها بين الشاعر اليمني الأديب أحمد بن محمد الشامي (رحمه الله) والفيلسوف أحمد الشيباني (رحمه الله) بتوقيع مستعار هو (ذيبان الشمري) وكان حوارًا أدبيًا ساخنًا تابعناه على صفحات الأربعاء في عدة مقالات من عام 1403هـ وقد طال الحوارُ وأمتعَ، وكانت أصداؤه تتردّد بين الأساتذة والطلاب في الأقسام الأدبية، في ذلك الزمن الجميل، وهو من أجمل ما قرأت على صفحات ذلك الملحق الذي كنا ننتظر صدوره صباح كل أربعاء بشغف وترقّب، أسبوعًا لذيبان الشمري وأسبوعًا للشامي، واستمرّ أشهُرًا عديدة، تارة تميل الكفّة باتجاه الشامي وتارة باتجاه ذيبان الشمري، وقد جُمعتْ مقالات الشامي وصدرت بعنوان (المتنبي شاعر مكارم الأخلاق) وكان الكتاب ثمرة حوارات في ملحق أدبي.
لقد ماتت أكثر الملاحق الثقافية الأدبية، ولم يبق لنا اليوم مما يستقّ الترقّب الأسبوعي إلا ملحق (الثقافية) بصحيفة الجزيرة، وأحسب أنه لولا شغف المشرف الدكتور إبراهيم التركي وحسن إدارته وحرصه على تجديد الملحق وتطويره وتحديثه المستمر للَحِقَ بأمثاله ولما رأيناه يقف شامخًا إلى اليوم، وقد ساعد على ذلك العناية الخاصة بالنسخة الإلكترونية للملحق، فلم نعد نبحث عن النسخة الورقية، فالملحق يأتينا على الوسائط الإلكترونية ووسائل التواصل نهاية كل أسبوع بأيسر السبل، ومما ساعد في نشره الحسابُ الخاص له بتويتر (الجزيرة الثقافية @Althgafyaa) فأصبح الوصول إلى ملحق (الثقافية) ميسورًا، واتسعت دوائر انتشاره وتفوّق على النسخة الورقية.
** **
- د. عبدالرزاق الصاعدي