غزال بنت محمد الحربي
يلوح أمامي وأنا أكتب في عدد المئوية السابعة للمجلة الثقافية هاجس الاستمرارية للصحافة الثقافية الورقية في السعودية. ففي ظل المتغيرات السريعة التي تميّز عالم اليوم، وتنقلنا من واقع إلى واقع آخر مختلف ومتجدد، يبقى هناك تساؤل حول مصير الصحافة الثقافية في صيغتها التقليدية ومحتواها الفكري الجاد في طرحه والمتنوع في معرفته. ينشأ هذا القلق من اليقين بأن التحوّل مرحلة حتميّة نأمل أن تكون مدروسة بشكل جيّد لتحديد طبيعة التطوير الملائم الذي نريده للصحافة الثقافية في السعودية. فقد تلاشت كثير من الملاحق الثقافية التي رفدتنا بالمعرفة ولم يبق منها إلا القليل الذي ما يزال يقاوم قلّة القراء ومحدودية الدعم والتوزيع. وتعد المجلة الثقافية أحد تلك الملاحق الجميلة التي لم نستودعها بعد صندوق ذاكرتنا الثقافية، ولكننا نشهد اليوم بلوغها العشرين عاما من العطاء الفكري المتجدد، بعددها السابع بعد المائة ككيان ما زال قائماً ونابضاً بالعطاء لا يمكن أن نجزم بعد بأن دوره التقليدي قد انتهى، وبأن البديل الرقمي عنه قد تشكّل واكتمل ونما. ينبغي ألاّ ننخدع بفجوة التباين الكبير بين عدد قراء الملاحق والمجلات الثقافية مقارنة بعدد متابعي منصة ثقافية رقمية ما. فتضخّم رقم القراء على الصفحات الرقميّة ليس بالضرورة مقياسا حقيقيا يحسم جودة المحتوى الثقافي الرقمي ويستدعي إلغاء الصحافة الورقية أو يلحّ على ضرورة تحوّلها العاجل عن مسيرتها الحالية. وذلك لأن التفاعل الحقيقي للفكر الإنساني لا ينمو إلا في إطار ثقافي صلب نلمس شغفه وهواجسه وصدقه وانفتاحه على الاختلافات وتقديره لجميع الآراء.
لا نخفي مدى دهشتنا واستمتاعنا بوهج الصوت والصورة والكلمة السريعة الأنيقة التي تملأ الفضاء الافتراضي في كل شيء. علاقتنا مع هذا الفضاء تشبه علاقة الإنسان القديم بحكاية مثيرة قادمة من عالم غريب. كل يوم شيء جديد ومثير ومفيد يتلاشى سريعا، حتى الكلمات في توهجها تبدو وكأنها مكتوبة على سطح الماء، ليتكرر نفس المحتوى ولكن بأسلوب متجدد، وحكاية أخرى تملأ الفضاء نتذكر أننا سمعناها أو قرأناها قبل أيام ولكن لا ندري أين ومتى ومن أي منبر. كل شيء أصبح سائلا وسريعا وهشّا ومنعشا للحظات. هذا العالم لا يتلاءم مع طبيعة الثقافة التي ينبغي أن تتسم بالصلابة والعمق؛ فالمعرفة لا تنبني إلا بشكل تراكمي وفي محيط تفاعلي حقيقي. أدرك تماما المزايا الكبيرة التي تقدمها التقنية في تطوير الحراك الثقافي وانتشاره، ولكن ينبغي لنا أن نتعامل مع التقنية وتطبيقاتها كأداة تخدم المحتوى الثقافي وليست كمركز إنتاج رئيس لصناعة الثقافة والمعرفة والفكر، حتى لا يتم إلغاء الحدود بين الثقافة الشعبية التجارية الاستهلاكية، والثقافة الرسمية التي ينصبّ جلّ اهتمامها على تأصيل الوعي والمعرفة بالقضايا الكبرى في الفكر الإنساني المعاصر.
تزهو المجلة الثقافية اليوم بمئوية سابعة لن يعترف بها الرقم المتضخم أمام صفحات المنصات الرقمية، ولن يعترف بها أشباه القراء ممن يرون محتواها الأسبوعي كلمات ميتة على الورق. ولكن الاعتراف الحقيقي بعشرين عاما أصدرت خلالها الثقافية 700 عدد أسبوعي يسجل حضوره في تاريخ وواقع الثقافة السعودية المعاصرة، ويؤكد ضرورة الوعي بأن المجلة الثقافية ينبغي أن تستمر وتنهض وتتوهج بشكل أجمل في أعوامها المقبلة، وبأنها نافذة ثقافية مميزة تستحق أن تلحق بركب الفيصل والقافلة والعربية.