محمد سليمان العنقري
أصبحت معالجة التغير المناخي هاجساً عالمياً لا يستثني أي دولة، فالجميع شركاء في هذا الكوكب والأثر يطول الجميع فيما لو تفاقمت أحوال المناخ وارتفعت درجات الحرارة عن المعقول مما سينعكس على كثير من مناحي الحياة العامة والاقتصادية بشكل خاص من تصحر وتراجع في الإنتاج الزراعي الخ. من التداعيات التي أطلقها الباحثون في مجال المناخ وتتبنى الأمم المتحدة مؤتمراً دورياً لمناقشة التغير المناخي ووضع الحلول والالتزامات والتعهدات من كافة دول العالم لمعالجته وفي هذا العام وقبل أيام اختتم في غلاسكو ببريطانيا المؤتمر الأممي حول المناخ وسط اهتمام كبير من قادة الدول الذين حضر عدد كبير منهم افتتاحه وكانت المشاركات بوفود رفيعة المستوى إذ لا يمكن أن تترك صياغة آليات وخطط التعامل مع المناخ لدول دون غيرها حتى يكون هناك توازن يأخذ بعين الاعتبار مصالح الجميع.
ففي السابق كانت الدول الصناعية وهي الأكبر استهلاكاً للطاقة تحاول أن تحمل الوقود الأحفوري والطاقة الكربوهيدراتية مسؤولية تغير المناخ رغم أنهم أكبر المستوردين والمستهلكين لها وهم أيضا أكثر الدول في إطلاق الانبعاثات الكربونية الضارة بالمناخ وكل ذلك دون أن بقدموا هم مبادرات تعالج ما لديهم من كوارث بالانبعاثات الكربونية من مصادر غير النفط والغاز والفحم الحجري لكن اليوم مع هذه المشاركة الدولية الفاعلة والشاملة لكل القارات أصبح النقاش أكثر موضوعية ولن تطرح حلول يدفع ثمنها طرف دون آخر فالعدالة والتوازن هما سبيل نجاح أي خطط لمعالجة التغير المناخي ولذلك نجد أن الدول المنتجة للطاقة الكربوهيدراتية هي من أكثر الدول حماسةً وتعاملاً جاداً مع تحسين المناخ العالمي ولعل المملكة العربية السعودية رغم أنها من أكبر منتجي النفط بالعالم تعد مثالاً واضحاً وعملياً على المساهمة الفاعلة لمعالجة التغير المناخي فقبل هذا المؤتمر المهم اطلقت المملكة مبادرات عديدة لتحسين المناخ منها المملكة الخضراء والشرق الأرسط الأخضر وذلك من خلال زراعة عشرات المليارات من الأشجار في المملكة والمنطقة بالاضافة لإطلاق 53 مبادرة متنوعة بهدف الوصول للحياد الصفري عام 2060 م حيث ستولد نصف احتياجات المملكة من الطاقة الكهربائية من الطاقة النظيفة والمتحددة عام 2030 وكذلك إنشاء أكبر مركز لاحتجاز الكربون بالعالم بحجم 44 مليون طن سنوياً واعتماد خطط التحول للاقتصاد الدائري للكربون الذي قدمته المملكة كمبادرة في قمة العشرين التي رأستها العام الماضي وأصبح مبادرة لكل دول المجموعة وأيضا إنشاء أكبر مجمع عالمي لإنتاج الهيدرجين الأخضر في مدينة نيوم وغيرها من المبادرات ذات التأثير المباشر بتحسين الواقع المناخي العالمي.
وقد طرحت المملكة رؤيتها لمعالجة أزمة التغير المناخي من خلال ركائز ثلاث ذكرها وزير الطاقة الأمير عبدالعزيز بن سلمان في كلمته في مؤتمر الأمم المتحدة في غلاسكو قبل أيام وهي الركيزة الأولى التركيز على أمن الطاقة فهذا عامل مهم وأساسي لسريان الدم بشرايين الاقتصاد العالمي، فأي عبث بمزيج الطاقة عالمياً واندفاع نحو طاقات غير مستقرة بامداداتها كطاقة الرياح أو الطاقة الشمسية أو ذات مخاطر بيئية عالية كالطاقة النووية سيكون له أثر سلبي على استقرار الاقتصاد العالمي وسلاسل التوريد وهذا ما نعيش بعض طيفه حالياً من خلال أزمة الطاقة التي تعد بسيطة قياساً فيما لو كان الاعتماد على تلك الطاقات واسعا جدا عالميا دون دراسة دقيقة وتنوع منطقي وواقعي أما الركيزة الثانية فتتمثل بتحقيق النمو الاقتصادي الذي يحقق الازدهار للشعوب كافة فما يمكن فهمه من هذه الركيزة أنه لا يمكن أن يعيش العالم باستقرار حقيقي دون تنمية اقتصادية تشمل الجميع فاذا ما تمت معالجة أزمة المناخ على حساب دول تمتلك الثروة الطبيعية للطاقة وتصدرها للعالم فإن ذلك يوجد تباينا بالمعالجات للمناخ وتقديم مصالح دول على أخرى إضافة للضرر الأكبر على الدول الفقيرة التي تستفيد من الاقتصادات الناشئة والمصدرة للطاقة من خلال عمالتها أو خدمات تقدم من خلالها أو تمويل تستفيد منه لمشاريع تساعدها على مصاعبها الاقتصادية أما الركيزة الثالثة فهي معالجة التغير المناخي من الحميع ومن كافة المصادر التي تؤثر على المناخ دون أن يكون التركيز على مصدر دون آخر فلا يمكن أن يتحقق الأمن المناخي للعالم بنظرة قاصرة من دول معينة تريد أن تبقي هدير مصانعها ونشاط مزارعها بنفس المستوى وتحقق مكاسب كبيرة لاقتصاداتها وبنفس الوقت تريد أن تحمل فاتورة ومسؤولية معالجة أزمة المناخ لدول أخرى.
المملكة قدمت رؤيتها العملية والواقعية في غلاسكو وسبقتها بعشرات المبادرات والتعهد بضخ استثمارات بالاقتصاد الوطني بمقدار 185 مليار دولار لتقليل الانبعاثات الكربونية بحجم 278 مليون طن والوصول لذلك الرقم في العام 2030 إضافة لإنشاء صندوق يدعم التحول في الدول الشرق أوسطية والإفريقية للاقتصاد الدائري للكربون وكذلك مبادرة عالمية تهدف لاستخدام الوقود النظيف لإنتاج الغذاء لحوالي 750 مليون نسمة وستسهم المملكة بحوالي 15 بالمية من حجم الاستثمارات لهاتين المبادرتين البالغ حجمها 11 مليار دولار أمريكي مع اإنشاء مركز للتنبؤ بالأعاصير وكذلك مبادرة للحفاظ على تنمية الثروة السمكية وغيرها من المبادرات التي اعتمدت وأعلنت رسمياً وهو ما يحسب للمملكة بأنها تقدم الحلول المتوازنة القابلة للتطبيق والتي تحقق العدالة للجميع وتصل لتحقيق الركائز الثلاث التي تعد شمولية بأهدافها ويسعى الجميع لنحقيقها دون اخلال بأي منها لتكون خارطة طريق نحو معالجة مناسبة للتغير المناخي.