م. بدر بن ناصر الحمدان
ما كان يُفكر به المخططون الحضريون للمدن عام 2000م لن يكون قادراً على استيعاب ما سيحدث «مكانياً» عام 2030م مهما كانت تلك المدن تمتلك من خبراء ومفكرين في التنمية العمرانية سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي وحتى الوطني، إذ إن التحول الكبير في نماذج الأعمال والتقنية والاقتصاد ومسرعات التطوير سيتجاوز كل التنبؤات التي يمكن من خلالها تصوّر مستقبل تلك المدن.
نظرة تحليلية سريعة على نماذج مختلفة من المخططات الاستراتيجية أو الهيكلية للمدن السعودية سواء كانت مدناً كبرى أو مدناً ثانوية (متوسطة وصغيرة) ستبرهن أنه بعد مضي 25 سنة على صياغتها أصبحت هي نفسها تمثل تحدياً كبيراً أمام أنظمتها الحضرية الجديدة التي باتت تواجه صعوبة في تكييف المتغيرات المكانية مع الوضع الراهن لمخططات المدن سواء فيما يتعلق بنمط استخدامات الأراضي أو منظومة النقل أو وظائفها الحضرية المختلفة، ووجدت نفسها مضطرة للتقيد بدستور العمران «المتقادم» الذي وضع في فترة زمنية مختلفة تماماً عن ما هي عليه الآن، مما دفع بمسيريها إلى الذهاب إلى ضواحي المدينة أو دفع تكاليف باهظة لمشاريع التجديد الحضري أو الاستحواذ على ملكيات داخل المدن بهدف تنفيذ مشاريع للصالح العام ظهرت كأولوية.
هذا الأمر يدفع بنا للتفكير ملياً في عقلية بناء نماذج التخطيط المكاني الضابطة للتنمية المستقبلية وإعادة تقييم للأدوات التخطيطية المستخدمة مثل استراتيجيات التنمية المحلية والإقليمية أو المخططات العامة والتفصيلية للمدن، حتى لا نستنسخ نفس التجارب السابقة - مهما كُنا واثقين بقدراتنا على التنبؤ مرة أخرى بمستقبل مدننا - لذا أعتقد أننا مطالبون بتبني أدوات جديدة ومبتكرة وإبداعية كبديل لنمط التخطيط العمراني السائد بمختلف مستوياته من أجل جعل المدن السعودية أكثر «مرونة» و»قدرة» على استيعاب ما سيحدث في الأيام القادمة، وهذا يقودنا للسؤال الأهم عن قدرة المناطق الحضرية - كأجهزة إدارية محلية - على تولي صياغة أو تنفيذ استراتيجيتها المستقبلية التي تتطلب تحوّلاً جذرياً مرادفاً في نموذجها المؤسسي كأجهزة مسؤولة عن «إدارة التنمية العمرانية»..!
كثير من المبادئ والتقاليد المتعلقة بتخطيط المدن لم تعد قادرة على التفاعل مع المستقبل وآن الأوان للتخلي عنها - حتى وإن بدت مثالية - في نظرنا، فالعبرة بما سيتم تحقيقه من منجزات لا بما نعتنقه من مبادئ.
المستقبل سيكون للمدن «المرنة» و«المنتجة» فقط.