«الجزيرة» - كتب:
أصدر د. صالح بن علي الهذلول، سيرته الذاتية (تيسرت)، وهي عبارة عن خلاصة تجربته في هذه الحياة، وتتعدد الأسباب التي تدفع المؤلف إلى تدوين سيرته الذاتية، ولعل د. الهذلول قد أوجز لنا ذلك في سببين رئيسين هما: الأول أنها تمثل نموذجا رائعا للكفاح والنجاح، فصاحب السيرة نشأ يتيماً ولكنه اعتمد على نفسه مبكرا فالتحق بمعهد المعلمين ليحصل على نتائج سريعة، ومع تحقيقه لهذا الهدف فإنه لم يقنع به، بل راح يواصل ليلا التعليم العام حتى حصل على الثانوية ثم التحق بكلية الهندسة وأنجز دراسة العمارة بتفوق؛ ما أتاح له الابتعاث فحصل على الماجستير من جامعة هارفارد والدكتوراه من أم آي تي، عاد ورأس قسم العمارة الذي تخرج منه، وتم اختياره وكيلا لوزارة الشؤون البلدية والقروية، فهو مثال رائع للرجل العصامي.
أما السبب الثاني الذي يعطي هذه السيرة صفتها الفريدة فهي أنها ليست فقط سيرة للدكتور صالح الهذلول بل هي سيرة مجتمع، وتاريخ لطفرة غير مسبوقة، وتذكير بما كانت عليه هذه البلاد وكيف حققت هذه التغيرات النوعية خلال عمر فرد من أبناء هذا المجتمع.
وقد حازت هذه السيرة الذاتية على إعجاب عدد من المثقفين والكتاب، يقول إبراهيم البليهي، عنها: «يلجأ السياسيون والأدباء والفنانون لكتابة سيرهم الذاتية لأسباب مختلفة، فهناك من يريد أن يدافع عن نفسه، وهناك من يعلي من شأن إنجازه في الحياة، وهناك من يريد تصفية حسابات قديمة، ولكننا مع هذه السيرة العذبة نحن أمام صوت شجي يعبر عن أشواق قديمة طازجة، عمل رائق عبارة عن نحت في الزمن والذاكرة، تجلس خلفه روح طيبة تلتقط تفاصيل الرحلة بعين بريئة ولغة متقشفة لا تدعى أكثر ما تحمله من معان، صدق الدكتور صالح الهذلول ورفع من شأن سيرته، وفتح الباب على مصراعيه لتغمر البراءة القارئ المحب للحكايات التي لا ينتبه إليها أحد، رحلة شاقة في الحياة، مكتوبة بيسر، وبلغة تشير إلى مواطن الجمال في قلب كاتبها.
أما إبراهيم داود فقد أوجز الحديث عن هذه السيرة في قوله: «في «تيسرت» يصنع الناجح من الفقر والمشكلات ملما يصعد عليه إلى مراتب التفوق والنجاح مستحضرة أخلاق المسلم العربي الأصيل. لا يعتبر الكتاب سيرة ذاتية فحسب بل سيرة جيل كامل، من خلاله يتنقل القارئ عبر الزمان والمكان والشخوص، مع كم هائل من المعارف والمهارات سواء في الجوانب الأكاديمية أو القيادية، كذلك فنون التعامل مع الناس والأزمات والأولويات، كل ذلك، صيغ بأسلوب أدبي ملهم ومشوق».
فيما أشار أ. د. عبد العزيز سليمان العبودي، إلى أن «تيسرت» العنوان الذي وسمت به هذه السيرة مشتق من آيات سورتي الانشراح والضحى، لطالما رأيت فيهما وصف مخالب الكربة، ثم إلهامات الفرج وضوء المنح والعطايا وأصول قواعد التعامل، ولعل القارئ بعد ختام القراءة سيقدر مدى مناسبته. إذ عشت يتيما، وعشنا عوزا وحاجة ويسّر الله أمورنا، وكلما تعسر أمر في حياتي وضاقت بي الدنيا فتح الله بابا أفضل مما كنت أرغب أو آمل أو أتمني. ضاقت بي الدنيا حينا تابعتني وزارة المعارف عند استقالتي من التدريس، وهيأ الله الفرج بكل يسر في شركة الكهرباء، وضاقت علي حينما رُفضت من إحدى عشرة جامعة في خلال تقدمي لدراسة الماجستير، ثم هيأ الله لي القبول في الجامعة الأفضل عالميا. ووقعت في حيرة من أمري بعد أن قبلت للدكتوراه في جامعة بنسلفانيا وارتأت زوجتي عدم الذهاب والعيش في مدينة فيلادلفيا، وفي خلال أيام اكتشفت أن جامعة أم آي تي - التي تقع بمدينة کيمبردج نفسها حيث نعيش حينئذ - ستبدأ برنامجا للدكتوراه من بداية العام الدراسي التالي، وتواصلت معهم ويسر الله القبول.
سيجد القارئ العديد من المواقف في ثنايا السيرة، فحياتي -ولله الحمد والمنة- كلها بتيسير العزيز الحكيم، الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين.
ويكشف هذا الفن الأدبي (السيرة الذاتية)، الكثير من المواقف التي واجهت الكاتب في هذه الحياة، وهي فرصة لأبناء الجيل الجديد لكي يقفوا على هذه التجارب ويستفيدوا منها.