تلعب الثقافة في أي بلاد دورًا مهمًا في تحديد هويتها التقدمية والتطويرية؛ حيث تعد المعيار الرئيسي لتقدمها ورقيها بين البلدان، لذلك بإهمالها تختل موازين التقدم والتطور في البلدان. كما أنها لا تقتصر على الاكتفاء بالموروث والعزوف عن السائد إنما هي امتداد لكل هذا.
ومن هذا سيكون حديثي عن وضع الصحف الثقافية والمدونات الثقافية سواء بالإعلام الورقي أم الرقمي ويسوقني هذا الحديث إلى ذاكرة الطفولة حين كان والدي يعود من عمله وبيده جريدته، وكنا نتلقفها أنا وإخوتي من يده نقرؤها مع ما نقرأ من قصص الأطفال؛ تعرفنا من هذه الصفحات على الأدباء والكتّاب والأفكار جيدها ورديئها كما ساهمت في تشكيل ذائقتنا الثقافية ومن جهة تأصيل هويتنا الثقافية.
نشاهد اليوم الصحف الثقافية وحيدة تفقد الدعم الثقافي لها؛ بالرغم من اجتهاد رؤساء تحرير صفحاتها وهذا الدعم يقف جهلًا عن معرفة الأدوار المحورية التي تقوم بها الصحف الثقافية في المجتمعات، والتي تبدأ من تعزيز الهوية الوطنية عند الأجيال وتعزيز الدور الريادي للدولة في القيادة العالمية وقبلها ترسيخ الذاكرة الثقافة لدى الأفراد وتمرير مكنونات المكتبات من خلال رؤى النقاد والكتاب وعشاق القراءة. حماية الصحف الثقافية يعني أننا نحمي أجيالاً قادمة من التخاذل في بناء الوطن ومن الذوبان في الهويات الهامشية والتيارات التي قد تهدم الوعي وتقوده إلى ما لا يخدم هذه الأجيال وأوطانها، أيضاً يعني أننا نصنع أنماطاً متعددة ومتنوعة من ثقافتنا يمكنها الاندماج المثالي بين الثقافات المختلفة خاصة وأننا في المملكة العربية السعودية لدينا مكون ثقافي يتمتع بالتنوع المزدهر.
لا أنكر ارتياحي تجاه الحراك الثقافي الذي يحدث في الآونة الأخيرة ولكني أراه ناقصا لأنه لم يطل الصحف الثقافية التي مازالت تغرد خارج السرب بالرغم من أنها واجهة هذا الحراك ومرآته ومع ذلك نعيش اليوم قطيعة بين الحراك الذي يحدث في الساحة الثقافية والتي تأتي أغلبها من اجتهادات فردية وبين الصحف الثقافية وكأنها ليست محاضن هذا الحراك! هذه القطيعة أسهمت في تراكمية الإنتاج الثقافي الرديء.
ومن جهة أخرى أُحمّل الصحف الثقافية جزءًا من فقدان الدعم لها بسبب الصورة النمطية التي لا تزال تعمل بها، إضافة إلى فقدانها من الحضور الثقافي المتنوع والذي يفتح مجالًا للإبداع وصناعة مدارس ثقافية متعددة يمكنها احتواء هذا الكم الهائل من المنتوج الثقافي اليوم.
كما أن هذه الصحف الثقافية مغيبة عما يدور عبر المقاهي الرقمية والصالونات ذات الطابع الثقافي وغارقة في الصورة النمطية لاستدعاء الثقافة.
وأخيرًا أعاود المطالبة بدعم الصحف الثقافية؛ لسبب بسيط ومفصلي جدًا هو: أن رقي الشعوب ومحو أميتها ورفع مستواها الثقافي والاجتماعي يبدأ من الصحافة الثقافية التي تسهم بشكل كبير في صناعة الوعي عند الشعوب؛ لذلك ونحن نعيش الآن مرحلة رقمية متطورة لها أنماطها الخاصة تحتاج هذه الصحف الثقافية دعمًا حتى تتمكن من نقل المشهد الثقافي السعودي في المرحلة التقدمية الجديدة وصناعة منهج نقدي مواكب للمنتوج الثقافي السعودي اليوم.
** **
- د. منى العتيبي