الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
كثرت في الآونة الأخيرة دعاوى المساواة بين الرجل والمرأة، وأثيرت الشبهات حول المساواة بينهما، كما أُثيرت الشبهات حول وضع المرأة في الإسلام وأنها ليست مساوية للرجل سواء في مسألة الطلاق كونها بيد الرجل، أو بتعدد الزوجات للرجل أو الميراث، أو القوامة، ولاشك أن تلك الدعاوى والأباطيل ليست بجديدة حينما تطرح.
«الجزيرة» ناقشت تلك القضية مع عدد من ذوي الاختصاص في كيفية التصدي لمثل تلك الأقاويل التي تظهر بين الفينة والأخرى حتى لا ينخدع العامة مع سرعة وصول المعلومة في زمن الإعلام والاتصال الحديثة، وبالذات حينما نجد تأثر الحركات النسوية بالتراث الغربي في الدول العربية ومطالبتهم بمساواة المرأة بالرجل.
عمارة الأرض
يذكر الدكتور محمد بن سعد الحنين الاستاذ المشارك بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، أن الله خلق الذكر والأنثى لعمارة الأرض، وقد أكدت الحقائق العلمية وجود الاختلاف في التركيب البدني والعاطفي بين الرجل والمرأة يتفق مع وظيفة كل منهما في الحياة.
وجاءت الشريعة الإسلامية أحكامها متسقة فروعها مع هذه الحقائق فراعت هذه الفوارق بالعدل والإنصاف، بيد أن هناك شبهاتٍ أُثيرت تدعي الجور في مساواة المرأة بالرجل في جملة من المسائل اعتنى علماء الإسلام والباحثين بالرد عليها نسوق جملة من بعضها:
1 - جعل الطلاق بيد الرجل وأن ذلك دليلاً على استعبادها حيث تكون رهينة رأيه متى شاء أبقاها، أو تركها:
والرد على هذه الشبهة والفرية: من وجهين:
الأول: أن في قصر الطلاق على الرجل وحده مصلحة تعود على الزوجين والبيت الأسري؛ وأسباب ذلك ظاهرة ؛ فإن الرجل قد تحمل تكلفة المهر ومؤونة الزواج والنفقات، وهذا يكون أدعى إلى البعد عن الطلاق والتأني فيه عند مواطن النزاع واحتدام المشاعر، إضافة إلى أن الرجل في طبيعته وفطرته - في الجملة - كما هو مشاهد أقرب من المرأة في تحكيم النظر العقلي بخلاف المرأة فهي أقرب إلى تحكيم العاطفة والانفعال.
الثاني: أن الشريعة الإسلامية لم تهمل جانب المرأة في إثبات الحق لها في إنهاء عقد الزوجية عند وجود سببه؛كما جعلت الحق للزوج بإنهائه بالطلاق ففرق النكاح هي: الطلاق، والفسخ، والخلع: فالزوجة إذا رغبت بمفارقة الزوج يكون عن طريقين:
إما عن طريق فسخ النكاح:
كأن يوجد ظلم، ويتعذر الإصلاح، أو عدم قدرة على القيام بالحقوق الزوجية مثل النفقة وغير ذلك فلها حق فسخ النكاح عن طريق القضاء. أو عن طريق الخلع عند وجود سببه: كأن تكون الحياة مستقيمة بين الزوجين لكن المرأة لا تود الاستمرار مع الزوج لسبب من الأسباب ككرهه، فحينئذ لها أن تتفق معه على الخلع وقد وقع ذلك في عهد النبوة.
وبالتالي يتبين أن الشريعة الإسلامية لم تهدر كرامة المرأة بقصر الطلاق بيد الرجل بل كان ذلك لتحقيق مصلحة البيت الأسري وأعطتها حق الفرقة من أنواع أخرى تقابل حق الطلاق.
2 - من الشبه التي تثار حول الإسلام أنه يحيف على المرأة، ويجنح لجانب الرجل؛ لذلك جعل له القوامة على المرأة وذلك من مظاهر الاستبداد:
وهذه الشبهة من أسبابها الجهل والخطل في قراءة مفهوم المساواة بين الرجل والمرأة في التاريخ البشري، وحقيقة القوامة في الشريعة الإسلامية.
فالمساواة أمر طبيعي ومعقول، فالرجل والمرأة هما شقا الإنسانية، ولذلك فالإسلام ساوى بين الرجل والمرأة في الحقوق والوجبات، لا في الخصائص والقدرات، وهذا الذي يشهد له تاريخ البشرية، والقول بالمساواة المطلقة هي نوع من معاندة الطبيعة، وينقل عن الاستاذ عباس العقاد قوله: إنه من اللجاجة الفارغة أن يقال: إن الرجل والمرأة سواء في جميع الحقوق وجميع الواجبات، وفي حكم التاريخ الطويل ما يغني عن الاحتكام إلى التقديرات والفروض، فلم يكن جنس النساء سواء لجنس الرجال قط في تاريخ أمة من الأمم التي عاشت فوق هذه الكرة الأرضية على اختلاف الهيئات والحضارات.
والقوامة التي نطق بها القرآن وجاءت بها السنة الصحيحة ليست عنوانا على أفضلية المرأة على الرجل، وإنما تعني الرعاية والمسؤولية والقيادة والتفاهم والمشاورة فهي تكليف للرجل، وتقديراً للمرأة، يقول ابن عاشور في تفسيره لآية القوامة: القَوَّام: الذي يقوم على شأن شيءٍ ويليه ويصلحه، وقيام الرجال على النساء هو قيام الحفظ والدفاع، وقيام الاكتساب والإنتاج المالي، ولذلك قال: (بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ)، فهذا التفضيل ظهرت آثاره على مرّ العصور والأجيال، فصار حقّا مكتسبا للرجال، وهذه حجّة بُرهانية على كون الرجال قوّامين على النساء فإنّ حاجة النساء إلى الرجال من هذه الناحية مستمرّة وإن كانت تقوى وتضعف.
ومع ثبوت وصف القوامة بهذا المعنى الذي هو تحمُّل أعباء المسؤولية التي تحتاجها المرأة؛ فيقوم به الرجل تقديراً وإكراما لمكانتها؛ فلم يلغِ الإسلام قوامة المرأة بل أناط بها مسؤولية عظيمة والتزامات في شؤون بيتها الأسري، وجعل لها حق التملك، والإنفاق من مالها؛ فترك لها حريتها الاقتصادية، وأجاز لها الخروج للعمل في مجالات الحياة مشاركة للرجل بضوابط شرعية تكفل حفظها.
3 - تعدد الزوجات:
ومن الشُّبَه أيضاً زعمهم أن تعدد الزوجات في الإسلام إهدار لكرامة المرأة وجور عليها، حيث إنه اعتداء على مبدأ المساواة:
قبل الجواب على هذه الشبهة فإن من المقرر أن الإسلام لم ينشئ نظام تعدد الزوجات فإن التاريخ يثبت أن التعدد كان سائدا قبل ظهور الإسلام فقيَّده وهذَّبه؛ لما يترتب عليه من مصالح كثيرة للرجل والمرأة.
فليس كل رجل يجوز له التعدد بل لابد أن تتوافر فيه الكفاءة والصلاحية له ومن ذلك وجود القدرة على التعدد حتى يتحقق العدل والمساواة بين الزوجات.
وكما أجاز الإسلام للرجل التعدد؛ فإنه جعل للمرأة الحق على الصحيح من أقول الفقهاء أن تشترط في عقد نكاحها أن لا يتزوج عليها، وهو شرط لازم للزوج إذا لم يوف به جاز لها فسخ النكاح.
وأما الجواب عن الشبهة السالفة: وهي قولهم: إن تعدد الزوجات في الإسلام إهدار لكرامة المرأة، فيقال: أليست الزوجة الثانية هي امرأة أخرى؟ فأي الحالين حينئذ تهدر كرامة أحدهما؟
أن تكون أيما لا زوج لها مشردة لا مأوى لها، أم أن تكون كلتاهما شريكتين في حياة زوجية نظيفة كل منهما ربة بيت وأم للأولاد. خير من أن تكون خليلة خائنة.
وأما قولهم: إن التعدد جَورٌ لأنه اعتداء على مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة، وهذا القول مع جهل قائله بطبيعة المرأة والرجل فهو أمر مستحيل؛ لأن الأزواج بالنسبة للمرأة يضيِّع نسبة ولدها إلى شخص معين وليس الأمر في تعدد زوجاته. ثم إن جميع الشرائع جعلت رئاسة الأسرة للرجل، فإذا وجد ذلك وهو مستحيل : من ستكون له رئاسة الأسرة، ولمن يتبع نسب الأولاد عافانا الله من الضلال.
وإضافة إلى ما ذُكر: فإن التعدد قد تكون له أسباب ملجئة: كمرض يقعد المرأة عن القدرة عن القيام بواجباتها الزوجية وتلبية حاجة المعاشرة الزوجية؛ فحينئذ يبقى الأمر دائرا: بين القول بنظام الزوجة الواحدة بطلاقها وأن يتزوج بأخرى وبين التعدد وبقاء الزوجة الأولى معززة مكرمة في بيتها.
ومن أهم الأسباب أيضاً للتعدد: أن زيادة عدد الإناث على الذكور ملحوظ في بعض الإحصائيات الرقمية السكانية، بل ذكر بعض الباحثين أن زيادة عدد الإناث ظاهرة مطردة في كثير من الكائنات الحية كما يقول بعض المشتغلين في علم الأحياء، فإذا حدث هذا الاختلال بين الجنسين في نسبة التساوي فليس هناك حينئذ إلا أحد أمرين: إما تعريض بعض النساء لطرق الغواية والفساد استجابة لداعي الغريزة، وضعف الوازع الأخلاقي، وحرمانها من الأمومة وهي حاجة نفسية فطرية للمرأة، أو يكون العلاج هو الشريعة الربانية بفتح باب التعدد، والمتأمل في الدارسات العلمية التي بحثت موضوع التعدد بإنصاف وحيادية على اختلاف مشاربها يتضح له جلياً ما حصل في بعض البلدان التي منعت التعدد من الحوادث المتزايدة والمهولة: من كثرة وقوع الفساد الخلقي بين الجنسين الذي ترتب عليه آثار خطيرة من الأمراض الجنسية: كالإيدز، ومرض الزهري، وظهور أولاد اللقطاء، وعزوف الرجال عن الزواج، وكثرة وقوع الطلاق، وحسبك بكل واحدة من هذه الظواهر ضرراً وفتكاً بالمجتمع.
4 - شبهة الميراث:
ومن الشبهات التي تثار أن نظام التوريث في الإسلام فيه ظلم للمرأة؛ لأن الذكر له حظ الأنثيين، وهذه دعوى باطلة. فالمتأمل في أحكام الإرث أصلاً وفرعاً يتبين له فيه تحقق العدالة الاجتماعية، وتميزه عن سائر الأنظمة، وقد حفظ الإسلام حق المرأة على أساس العدل والإنصاف والموازنة في نصيبهما باعتبار الواجبات والالتزامات لكل منهما وعلى حسب القرب من الميت يتبين ذلك بما يلي:
أ - أن الرجل يقع على عاتقه أعباء مالية ليست على المرأة مطلقاً، مثل المهر الذي يكون للزوجة حقاً لها.
ب - أن الرجل مكلف بالنفقة على الأولاد والزوجة بخلاف المرأة فليس عليها حقاً في ذلك.
ج - أن الرجل مكلف بالنفقة على الوالدين، أو القرابة عند الحاجة لذلك، ومع ما ذكر فإن هناك صوراً تشارك فيه المرأة الرجل الميراث على السوية كالأخوة لأم، والأبوين عند وجود الفرع الوارث.
التوعية والتثقيف
وتوضح الدكتورة مريم عبد الرحمن الأحمد الاستاذ المشارك في قسم الفقه المقارن والسياسة الشرعية بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة الكويت، أن الحركة النسوية حركة ولدت وترعرعت لدى الغرب، ثم استوردت إلى بلادنا كما تستورد السلع، فتجد نساءً يتبنَّينها وأفواهاً تدافع عنها ويطبقونها - مع الأسف - على واقع لا تنطبق عليه، مشيرة إلى أنها حركة ألغت الفطرة والنظم والمرجعية، حين طالبت بالمساواة بين الجنسين، وجعلت المرأة في صراع دائم مع الرجل، بل الأمر لا يقف عند حد معين، فكلما أعطيت لها حقوقاً زادت المطالبات، وأنه من الأهمية بمكان التصدي لهذه الحركة في قنوات الإعلام المرئي والمسموع، وفي كافة وسائل التواصل الاجتماعي الأقرب إلى فئة الشباب، بحيث يتم بيان خطرها ودفع شبهاتها والتنبيه إلى أضرارها على الدين والأسرة والمجتمع، ثم لا بد من التوعية والتثقيف بأن مطالبة الرجل أو المرأة بحق له إنما يكون عبر القنوات المشروعة وبما لا يتعارض مع النصوص الشرعية وطبيعة كل جنس، كما لا يفوتني التنبيه إلى دور المناهج الدراسية في معالجة مثل هذه القضايا، فينشأ الشاب والشابة وقد عرف كلٌّ منهما حقوقه وواجباته، إذ العلم أساس مواجهة المستجدات خاصة ما كان منها آتٍ من الغرب.
الذكر والأنثى
ويقول الدكتور عبد العزيز بن حمود المشيقح الاستاذ بجامعة القصيم إنه لو رصدنا ذكر الذكر والأنثى في القرآن الكريم لوجدنا أنه ذُكر لفظ (ذكر) في القرآن ثماني عشرة مرة، نصفها للمساواة مع الأنثى ونصفها الآخر لعدم المساواة؛ فالمساواة بينهما في الخلق وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى فكل منهما مكمِّلٌ للآخر، ولا تستقيم الحياة بطرف دون آخر.
والتفاوت بينهما في العمل والأداء {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى، إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى}.
أما عدم المساواة فتأتي بتفضيل الذكر على الأنثى {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى} كما يرد في إطار الميراث، أن الأنثى لها نصف ما للذكر {يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} رغم أنه في بعض الحالات يكون للأنثى نصيب أعلى من الذكر، أما لفظ الأنثى فقد ذكر ثلاثين مرة، أكثر من الذكر، نصفها مفرد أنثى وربعها مثنى أنثيين والربع الأخير جمع إناث، والمعنى الغالب على الاستعمال المفرد هو المساواة في الجزاء أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أو أُنْثَى ، وكلاهما له نفس الجزاء وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أو أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ .
إن اختلاف الذكر عن الأنثى أشار إليه القرآن الكريم في قوله سبحانه وتعالى: (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى)، وهذا يعني وجود اختلافات عديدة بين الجنسين، فالذكر والأنثى غير متساويين، وإنما لكل واحد منهما طبيعته ومهمته في الحياة، حتى يكمل أحدهما الآخر، والاختلاف هذا لا يعني تمييز أحدهما عن الآخر، بل هو مراعاة للفروق الهائلة بين الجنسين، والتي كشف العلم الحديث عنها.
لقد أثبتت الدراسات العلمية أن الفروق بين الجنسين تشمل كل النواحي: التشريحية والوراثية، وبنية الدماغ والناحية النفسية، وهذا يؤكد أن دعاوى المساواة بين الرجل والمرأة دعاوى منحرفة، لا تتناقض مع الدين فحسب، بل مع العلم والفطرة الإنسانية كذلك؛ فهناك فروق خلقية وعقلية ونفسية بين الرجل والمرأة منها الاختلاف في الشكل الخارجي؛ فالأنثى البالغة بصفة عامة أصغر حجمًا من نظيرها الذكر، وأقصر في الطول، وأقل في الوزن وهما يختلفان في منابت الشعر، بالإضافة لأحجام كل من الرأس والعنق والذقن والصدر، وطول كل من الأطراف والأصابع والجذع الأعلى، وفي قوة الاحتمال بصفة عامة، وعضلات المرأة تقلُّ في القوة عن عضلات الرجل بنسبة 25 في المئة، ويختلف كل من الذكر والأنثى البالغين في صفاتهما التشريحية اختلافًا بيِّنًا، خاصة في تركيب الجهاز البولي التناسلي، ومما يستتبعه في الأنثى البالغة من الدورة الشهرية، والحمل، والوضع، والنفاس، والإرضاع، وغير ذلك من مسئوليات الأمومة.
كما أن المرأة أمرت بالإقرار في المنزل على عكس الرجل قال تعالى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وهذا الإقرار ينبني عليه استقرار أسري ينعكس بدوره على استقرار المجتمع، كما أن الخطاب النبوي الموجه للمرأة يختلف كثيراً عما هو موجه للرجل في كثير من العبادات والمسائل الفقهية.