إيمان حمود الشمري
مع وجود كاميرا صغيرة في متناول اليد دائماً أصبحت تدخل كل مكان وتلتقط الصور، فمن الطبيعي أن يصبح الكل مراسلاً والكل ناقلاً والكل يعيش الدور الحصري لرصد الحدث، فالجميع يعيش دور الإعلامي، ودور المتحدث، ودور الخبير بالشيء الذي ينقل لنا تجربته الخاصة بناءً على تقييمه الذي غالباً لا يتوافق مع تقييمك، تخطى الأمر الترويج عن المطاعم والأكل وتعدينا مرحلة (لذيذ، وعجيب، ويموت، ودخلنا بأشياء (تموت) فعلاً، وصلنا لمرحلة الترويج للعمليات، وكأن الأمر ليس مخاطرة ولا تخدير قد يودي بالحياة ولا مضاعفات تزهق الروح، حتى أن أحدهن وضعت مسابقة للفوز بعملية مجانية؟؟ فما أخطر الكاميرا بيد الجاهل!!
باسم الترويج أصبح نصف المجتمع معلناً والنصف الآخر عملاء، فهل نحن فعلاً عملاء ضد أنفسنا؟ هل هانت علينا صحتنا لنتواطئ ضدها ونحمل معنا صوراً عند زيارتنا للأطباء لنكون نسخاً من غيرنا!! هل ذلك نسخاً أم مسخاً لنا وطمساً لشخصياتنا، وضياعاً لقيمتنا وتميزنا الحقيقي بجوهرنا لا بمظهرنا؟ من المؤسف أن نكره أنفسنا لهذا الحد، وأن نكره فكرة أن نكون على طبيعتنا، ومن المؤسف أكثر أن نعتبر تغيير ملامحنا هو مواكبة للعصر، ونخجل من حقيقتنا ونلجأ لكل ما هو مصطنع، مع العلم أن التفرّد أكثر تميزاً من الاستنساخ!
ومن الترويج للعمليات باسم الجمال إلى الترويج للمشاعر، تجارب حب فاشلة للترويج عن مشاعر كاذبة والتمثيل أمام الملأ لقصص حب وهيام خيالية يعيشها المشاهير وتتخللها هدايا باهظة الثمن تضغط مشاعر الناس بما فيهن المراهقات، وملايين الزوجات المحبطات المتذمرات وما علمن أنهن ضحايا لقصص وهمية خيالية دغدغت مشاعر الفتيات اللاتي تمنين أن يعشنها وما هي إلا أشهر حتى تنتهي تلك الأكاذيب وتنكشف الحقيقة مع انتشار أنباء الطلاق والفضائح!! أكاذيب هم أنفسهم صدقوها وروجوها لها لإشباع غريزة التميز لديهم والقيام بدور العشاق وهم بالحقيقة مرضى نفسيون يروجون لمشاعر لا يعيشونها.
أصبح الآن كل شيء قابلاً للتصوير والترويج حتى الدين والخلق يروجون له، يدعون ويصورون، يصلون ويصورون، يقبلون أيادي أمهاتهم ويصورون، يحسنون إلى الناس ويتصدقون ويصورون، يموت أحبابهم وأعز الناس لديهم ويصورون، فما أقبح ما يحدث، تجارة بالمشاعر والدين والصحة والبر والعاطفة، لم يعد قيمة لشيء ولا خصوصية ولا معنى، ولا حتى صدق بالمشاعر، أصبحت أحن لعودة الإنسانية، للمصداقية، لعدم المرآة والتصرف بشكل طبيعي فطري تلقائي، أما آن لهذا الزيف أن يتوقف.. فعلى ماذا نتأسف ونحن يوماً بعد يوم نصبح أسخف... أعتذر لقساوة التعبير فما عاد للإنسان شيئاً يشرّف.