م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1. يقول كاتب: بقدر عشقي للكتابة، إلا أنني قبل أن أبدأ بالكتابة الرومانسية أغلق باب مكتبي وأسدل ستائر نوافذه ثم أبدأ الكتابة وكأني اختلسها اختلاس اللص الحذر.. أكتب على عجل، وأعَبِّر برمزية.. ولا أذكر اسم حبيبتي، ولا أين كنا، ولا ماذا فعلنا، ولا ما هي رغباتي تجاهها أو مشاعري نحوها.. يتملكني ذلك الشعور الكاسح بالسرية وكأن انكشاف أمر حبنا سيكون فضيحة! فقط أكتب ثم أكتب ثم أكتب، ثم أجمعها كلها في مجلد بغلاف جميل أطبع منه نسختين فقط واحدة لها والأخرى لي.. والعجيب أنني أسعد بذلك جداً رغم أن أي كاتب لا يسعده إلا أن ينشر ما يكتب على أوسع نطاق لا أن يقتصر على قارئ واحد.
2. كل مساء تأتيني تلك الرغبة المجنونة للكتابة إليها.. فعند الساعة السادسة أقفز مذعوراً مذهولاً إلى مكتبتي وكأني أمام موعد لا يمكن تأخيره أو تأجيله.. ثم أبدأ بالكتابة وعقلي يضج بأشياء كثيرة منها الرغبة، والعشق، والحلم، والغيرة، والخيبة، وأشياء أخرى أستحي من قولها.. لكنني كعادتي ألتزم الأدب والتهذيب وأدور حول الحمى.. ثم انتهي بكتابة أشياء كأنني سبق أن قرأتها في كتاب قديم.. لكني مع هذا أسعد بها لأنها كُتِبت عنها ولأنها تُكْتب لها.
3. حينما يكتب الكاتب لحبيبته إنما يكتب مناجاة أو أمنيات أو آمالاً أو طموحات ذات ارتباط بها وحدها.. فهي ليستِ أمامه حتى يحدثها مباشرة بل بعيدة عنه.. فأصبح كالمتعبد في صومعته يدعو الإله ولا يدري هل يستجيب له أو لا يستجيب.. فقط يدعو لأنه لا يملك سوى الدعاء.. هكذا حاله معها.. حينما يكتب لها فإنه يدعو الله أن تستجيب لما في باله وفي خاطره وقلبه.. أحياناً يجد نفسه في موقع الذي يخجل من نفسه.. فما افعله في مقاييسه عمل أحمق ليس فيه منطق ولا يقوم على واقع.. بل على أحلام وأوهام وخيالات ما أنزل الله بها من سلطان.. فهي في باله وعقله قصة بِكْر وقلمه شيخ كبير.. يعاني الارتباك في مواجهة قصتها البكر التي تحتاج إلى مداد العالم كله حتى يرويها.. وكل ما كتبه حتى الآن مجرد إحماء لما يريد كتابته عنها.
4. من أكبر مشاكل الكتابة أن تظهر متخذة موقفاً مع أو ضد، محب أو كاره، واثق أو مشكك... إلخ.. فانحياز الكاتب يجعل من كتابته موضوعاً مغلقاً شخصياً.. في الكتابة الرومانسية لا تعود هذه المشكلة مشكلة بل فائدة أطلقتْ لقلبي العنان ليوجه قلمي أن يكتب على هواه.. فموضوعاتي كلها مقتصرة عليها وكلها شخصية لها.. أصبحت من خلال كتابتي لها أفسر الكلام، وأحلل الأحداث، وأشَخِّص السلوك، وأُظْهر المشاعر، وأتعرف على التحولات التي أصابتني بسبب حبي لها.
5. الكتابة إما كلام عقل أو هذيان.. والكاتب مع حبيبته دائماً في هذيان.