د. محمد بن يحيى الفال
في الآونة الأخيرة كثر الحديث في وسائل الإعلام العالمية عن توترات بدأت تظهر على السطح بين كل من الحليفين التقليديين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية ولعله بدأ للبعض صدق ما ذهبت إليه هذه التقارير الإعلامية من توتر في العلاقات بين الحليفين مع إعلان الرئيس الأمريكي جو بادين بضخ 50 مليون برميل من المخزون الأمريكي الاحتياطي في الأسواق الأمريكية وذلك في محاولة لخفض أسعار الوقود التي يدفعها الأمريكيون لتعبئة خزانات سياراتهم والتي تشهد ارتفاعًا متسارعاً جعل الغالبية العظمي من الأمريكيين تشكك في مقدرة الرئيس في السيطرة على الاقتصاد وكبح معدلات التضخم والتي أضحت تشكل معضلة حقيقية في نجاح خطط الرئيس الطموحة لانتشال البلاد من تداعيات الجائحة الكونية وإعادة بناء البنية التحتية لأمريكا بميزانية تريليونية تم التصديق عليها مؤخراً من قبل الكونجرس.
وتستهلك الولايات المتحدة يومياً حوالي 19 مليون برميل من النفط وضخ 50 مليون من احتياطي النفط الأمريكي البالغ حوالي 600 مليون برميل لأن يؤدي في أغلب الأحيان إلى تراجع أسعار النفط العالمية وإن كان يبدو على أن الرئيس يعول على مشاركة دول مستوردة للنفط لدفع عجلة اقتصادها لتضخ هي الأخرى إلى الأسواق بعض من مخزونها الاستراتيجي من النفط وذلك في محاولة لخفض الأسعار وتأتي الصين على رأس قائمة هذه الدول وهي المختلفة إيديولوجياً والمنافسة الرئيسة للولايات المتحدة في الهيمنة على الاقتصاد العالمي وكذلك كل من اليابان والهند اللتين تعتمدان بشكل كبير على النفط المستورد. الملاحظ ومع ضخ الملايين من براميل النفط الاحتياطية فإن ذلك لم يحدث التأثير المطلوب بل بعكس ذلك وليتجاوز سعر البرميل حاجز 80 دولارًا.
المقدمة أعلاه مهمة لفهم التوتر بين كل من المملكة والولايات المتحدة والذي تطرقت له وسائل الإعلام ويبدو بأن أسبابه هذه المرة اقتصادية بحتة وتنطلق من رغبة الولايات المتحدة في إقناع تكتل أوبك بلس من رفع سقف إنتاجها من النفط وذلك لخفض الأسعار ولكن التكتل والمكون من 13 عضوًا من منظمة الدول المصدرة للنفط وعلى رأسها المملكة بالإضافة لعشر دول أخرى مصدرة للنفط ولكن ليست في منظمة أوبك وعلى رأسها الاتحاد الروسي لها تصور آخر مختلف تماماً مع التصور الأمريكي وفحواه بأن خفض الإنتاج هو الخيار الوحيد المتاح وذلك من أجل تحقيق سعر عادل لبرميل النفط لمواجهة تراكمات الخسائر الفادحة التي سببتها الجائحة الكونية.
العشم الأمريكي بأن تقوم المملكة ومن خلال موقعها في تكتل أوبك بلس وبكونها أكبر مصدر للنفط في العالم بإقناع شركائها في التكتل بضخ المزيد من سلعة النفط في الأسواق لخفض سقف الأسعار هو عشم ليس في محله وعصي على التنفيذ وذلك لعامل محوري وجهوري وغير مسبوق والمتمثل في الجائحة الكونية التي اجتاحت العالم وتأثر بتداعياتها الاقتصاد العالمي بخسائر بلغت تريليونات الدولارات وكل محلل اقتصادي مُنصف يعرف بالحقائق والأرقام بأن المملكة قدمت ولعقود تضحيات جسيمة من أجل استقرار أسعار النفط العالمية إيماناً منها بمسئولياتها الدولية نحو دعم أواصر السلم والاستقرار والأمن للعالم أجمع بسعر عادل لبرميل النفط. ومع قول هذا ووضع الجائحة جانباً وما تسببت فيه من خسائر اقتصادية ضخمة فالاقتصاديون والمتابعون يعرفون كيف خسرت الدول المصدرة للنفط وعلى رأسها المملكة الكثير من مداخيلها بسبب تذبذب الأسعار في الكثير من الفترات وخصوصاً في نهاية الثمانينيات ومنتصف التسعينيات حيث تراوح سعر برميل النفط بين 20 و10 دولارات للبرميل، وفي بداية الألفية الثانية تجاوز سعر البرميل من النفط حاجز 140 دولارا للبرميل وكانت الارتفاعات في الأسعار في أغلب الأحوال مردها لأسباب جيوسياسية والخوف من تأثر إمدادات النفط بسببها.
من الملاحظ بأن تضحيات المملكة الهائلة لاستقرار أسواق النفط العالمية كانت دوماً محل تقدير وامتنان من رؤساء الولايات المتحدة من الحزب الجمهوري ولم يكن الحال كذلك مع الرؤساء الأمريكيين من الحزب الديموقراطي والذين كثرت في حقبة توليهم زمام الأمور في أمريكا الحملات المشوهة لدور منظمة الدول المصدرة للنفط والتي تعد المملكة الدولة الأهم تأثيراً فيها وذلك بوصفها من قبل وسائل الإعلام الأمريكية وبعض الساسة الأمريكيين بأنها ليست إلا تجمعاً احتكارياً لمنتجي سلعة النفط يتحكم في كمية إنتاجها وأسعارها (Oil Cartel)، وهو الأمر الذي ينافي الواقع جملةُ وتفصيلاً والشواهد والحقائق على عدم صحة هذه الادعاءات لا تعد ولا تحصي. المفارقة هي أن العلاقات الوطيدة التي تجمع البلدين الحليفين المملكة والولايات المتحدة تم تدشينها مع الملك الموحد عبدالعزيز رحمه الله مع رئيس أمريكي من الحزب الديموقراطي هو الزعيم فرانكلين روزفلت وتزداد المفارقة وضوحاَ بالتمعن في الظروف الدولية التي كانت سائدة إبان لقاء الزعيمين حيث كانت أمريكا وقتها للتو خارجة من تبعات الحرب العالمية الثانية ومن قبلها تداعيات الكساد الكبير التي تشابه لحد كبير الظروف التي يتولى فيها الرئيس بادين دفة الحكم في بلاده وعلى المحور الاقتصادي تحديدا الذي سببته جائحة كوفيد 19.
تجاوزت العلاقات السعودية - الأمريكية الكثير من العقبات بكونها علاقات وطيدة ومتجذرة لأكثر من سبع عقود من التعاون الإيجابي المثمر لصالح البلدين الصديقين والحلفاء الحقيقيين لهم القدرة على تخطي كافة الصعاب مادام هناك ثقة متبادلة ومصارحة شفافة وهما عاملان يُميزان العلاقات الثنائية السعودية - الأمريكية.