عمر إبراهيم الرشيد
من نافل القول إن التنمية الثقافية إنما هي من أسس بناء الإنسان لأي مجتمع، ومجتمعنا ذو هوية إسلامية عربية له قيمه ومفاهيمه وثقافته الاجتماعية، إنما لا تتوقف عملية التعلم وتوسيع الأفق والمدارك للإنسان والمجتمع. وحقيقة فإن وزارة ناشئة كوزارة الثقافة تقدم مبادرات وأنشطة وفعاليات تتوالى في المشهد الاجتماعي والتنموي السعودي، وهو أمر يدعو للإعجاب والفخر لأنها أتت في فترة وجيزة من عمر الوزارة ولأنها شملت المجالات الثقافية كافة تقريباً. لكن أكثر ما لفت انتباهي من مبادراتها الأخيرة - وهي متعددة حقيقة - مبادرة العزلة الكتابية، وفكرتها ببساطة تقوم على تشجيع أصحاب الأقلام في المملكة والعالم على القدوم إلى العلا كمنطقة تنعم بالهدوء، وبجوها الباعث على صفاء الذهن والتفكير ومن ثم الإلهام للكتابة بأشكالها الأدبية والثقافية كافة. مبادرة كهذه هي في تقديري لها أكثر من مردود ثقافي واجتماعي على روادها المواطنين والضيوف من بلدان عدة من العالم، فهي ملتقى حضاري لأصحاب الأقلام لتبادل شؤونهم وشجونهم، وللضيوف لرؤية المملكة وأماكنها التاريخية والاطلاع على أوجه نهضتها عن قرب، والالتقاء بأطياف مثقفة من المجتمع السعودي، وقطعاً سوف ينقلون تجربتهم وما شاهدوه وعايشوه في هذا المعترك الثقافي وهم بصفتهم مثقفين لهم تأثيرهم على المتلقين في بلدانهم.
إذاً هي مبادرة نوعية لم تخطر على بال أحدنا فقط منذ سنوات قليلة ماضية، مثلها مثل الاهتمام بالخط العربي ورعاية ملتقياته والتدريب عليه، والفنون الأخرى وأدب السرد والمسرح وغيره من باقي أوجه التنمية الثقافية الضرورية التي غابت لعقود متتالية. هل قلت العتب؟ في الحقيقة نعم وهل يكون العتب إلا مع العشم والمحبة (إذا ذهب العتاب فليس ود *** ويبقى الود ما بقي العتاب)، فنحن أصحاب القلم وكتاب الرأي وكتاب الصحف بجميع تخصصاتهم، بل وكل من يعمل معهم في الإخراج والإنتاج والأعمال الإدارية المساندة، بتنا ننظر إلى وزارة الثقافة على أنها البيت الذي نحلم بأن يهتم ويرعى ويساند كل من يساهم في الإنتاج الثقافي، لكني أزعم أن من يعملون في الصحف من رسميين أو متعاونين بحاجة إلى التفاتة صرح بهذا الرقي والحضور والإمكانيات كصرح وزارة الثقافة.
وأتذكر حين أرسل رئيس التحرير في هذه الصحيفة الغراء إلينا ككتاب رأي يوضح حقيقة الوضع الذي وصلت إليه الصحف بعد تراجع التوزيع والمداخيل الإعلانية بعد شيوع استخدام الوسائط الرقمية، فآليت على نفسي الكتابة بلا مقابل وفاء لهذه الصحيفة التي فتحت لي صفحاتها للكتابة. إنما ومع تراجع دور الصحف خلف منصات التواصل الرقمي، وتراجع أو انعدام التحفيز المعنوي والمادي لمن يعمل في الصحف التقليدية رسمياً أو متعاوناً، بات العتب على مقام الوزارة للالتفات إلى من ينتسبون إليها بحكم المجال والاهتمام وليس بحكم الارتباط الوظيفي المباشر، وهو عتب على قدر العشم بلا شك، فكما تم تنظيم هذه الأنشطة الكتابية ومنها (عزلة الكتابة) في العلا على سبيل المثال، فلا أقل من دعم أصحاب الأقلام والعاملين في الصحف وتشجيعهم لأنهم مورد إنساني وثقافي من موارد الوزارة بل الوطن أعزه الله قيادة وشعباً وأرضاً. إلى اللقاء.