ترعرعنا جميعاً نحن السعوديون ونحن أطفال صغار في المنبت السعودي وفتحنا أعيننا على صوت أخ كبير ووالد معمر ينادي اسم والدته ليقبل رأسها صباحاً تجاوره الأخت والزوجة والابنة يحملان طاسة لبن وقرص رقاق قبل مغادرته للقنص وصيد الرزق في بيوت الطين القديمة قبل الضحى.
وترعرعنا أيضاً ورأت أعيننا وهو يكندس بالعصر يقبل يدها قبل أن يتقهوى معها قهوة المسيان والتمرات واَلبن.
بل ترعرعنا على رنين خلخال؛ صادق الأقوال؛ ذي قرط لامع؛ حكمة ترن المسامع؛ يلفه مسفع طرف شميم؛ يهزه هز حنين؛ ليربط اسم حاملته لا محالة؛ بالذهب الخلاص؛ فصاغ صدغه صدق فلا مناص؛ كنوز لا توفي حقها رموز؛ أسماء أمهات وأخوات سكنت قصوراً وبوادي وحارات؛ احتارت في ثقلها الأوزان والحرمات.
حيث لهذه الأسماء من القدر الكبير عند الآباء والإخوان بل حتى من الجيران من الأسر السعودية قديما ولا زالت في بيوت الطين؛ في الرياض الحصين؛ والحصينة في كل مجلس دنو ومدينة.. أسماء حملت أسماء أصحابها فاحتملت؛ حضنت واحتضنت؛ وذكرت ضربت أمثالا وقصصا ذكرت؛ بقيت عمراً ما بقيت؛ عهد بواقي لم تنتسى فسطرت الأقلام لها مجد تاريخ وخلدت.
فمن منا لم ينادي أمه.. سارة أو منيرة أو هيا أو صيته؟
من منا لم تكن له والدة تحمل اسم الجوهرة أو شاهه أو حصة أو مريم وغيره من الأسماء التي اشتهرت؛ ذات الحقبة.. من منا لم تكن له أخت تحمل اسم نورة؟!
و أستأذن القارئ الكريم بهذه المقدمة لتسليط الضوء على شخصية نسائية كانت هي الخلفية الملكية بالحكمة ورجاحة العقل لدفع أخيها عبدالعزيز لاسترداد ملكهما من آل رشيد وتحرير الرياض.
هي الأميرة نورة بنت عبدالرحمن الفيصل شقيقة الملك عبدالعزيز رحمهم الله والتي تكبره بعام واحد فقط.
حيث ولدت الأميرة بالرياض عام 1292 هجري، وارتبطت بشقيقها الملك منذ الطفولة حيث كانا يلعبان سوية ورافقته فترة الخروج من الرياض بعدما سيطر عليها ابن رشيد في موقعة المليداء عام 1308هجري ورجوعا لحساب تاريخ أسرة آل سعود كانت هي من تبث في أخيها الملك روح الحماسة وتكرار محاولة استرداد الرياض سنوات خروجهما منها.
وبعد الاسترداد عام 1319هجري لعبت دورا أساسيا على الصعيد السياسي والاجتماعي فبعد استقرار الرياض كانت السيدة الأولى التي برز دورها وبرعت في كل ما يسند إليها من مهام في إدارة شؤون القصر الداخلية واستقبال الوفود وتمثيل المملكة أمام الخارجية والبلدان الأجنبية لتعكس دوراً رائداً للثوابت والقيم الأصيلة لموطن هذه البلاد الكريمة حيث كانت فخر أخيها الملك ومحط ثقته وحافظة أسراره وداعمه الأول (حيث كانت تقول الرجال لم يخلقوا للراحة...؛ إن خابت الأولى والثانية تظفر بالثالثة إن شاء الله) تشجيعاً ومساندة له وكان الملك دائما يقول أنا أخو نورة وفي حالات أخرى كان يعتز بقوله أنا أخو الأنوار المعزي.
من أدوارها البارزة:
العمل على ترابط الأسرة المالكة وإدارة شؤون القصر وتجنيب أخوها كل ما يشغل ذهنه من مشتتات فكانت تقوم على حل كل القضايا وتنهيها؛ كانت رحمها الله أماً للمحتاجين واليتامى حيث كانت تشفع عند الملك عبدالعزيز لكل من له حاجة لتقضى له.
كان الملك يلجأ لرأيها ويستشيرها في أغلب الشؤون القبائلية ذات السلطة في المجتمع السعودي
وفي موسم الحج حرصت الأميرة نورة باستقبال ضيوف البلاد من النساء في هذا الموسم وتقديمها لزوجة الملك وبناته وكبيرات الأسرة المالكة وكان الملك عبدالعزيز حريصا على هذه المهمة ويتابعها بنفسه.
كانت الأميرة مهتمة أيضا بشؤون الأطفال وتحفيزهم للتعلم وتخصيص مكافأة لحفظة القرآن منهم وخاتميه.
كانت رحمها الله كريمة محبة للإنفاق عطوفة حيث عنايتها بالأيتام وتعويضهم فقد أمهاتهم؛ على المستوى السياسي كانت رحمها الله السيدة الأولى في استقبال وفود زائرات الرياض من البلدان الأجنبية واستضافتهم وإعطاء الإذن برؤية معالمها.
تزوجت الأميرة نورة من الأمير سعود الكبير وأنجبت الأمير محمد (شقران) والأميرتين حصة والجوهرة -زوجة الملك فيصل رحمهم الله أجمعين- كانت لها مكانة خاصة عند أخيها المؤسس الملك لم تحظ بها غيرها وكان دائماً يفخر ويعتز بها ويردد أنا أخو نورة توفيت في عام 1369 هجري عن عمر 77 عاماً ودفنت في مقبرة الأسرة المالكة مقبرة العود بالرياض.
كرَّم الملك عبدالله بن عبدالعزيز في العهد القريب وخلد اسمها بإطلاقه على إحدى جامعات الرياض فهي عمته -جامعة الأميرة نورة-.. ليبقى الأثر لأبنائنا وللتاريخ خالدًا.
... ... ... ... ...
المرجع: تاريخ آل سعود
** **
- إيمان آل مسعود