د.عبدالرحيم محمود جاموس
منذ وقعت القدس تحت الاحتلال الصهيوني في الخامس من حزيران من عام 1967م لم تنفك أو تتوقف خطط المحتل الصهيوني عن العمل المتواصل على تهويدها والمس بمكانة مقدساتها الإسلامية والمسيحية، والعمل على تغيير تركيبتها الديموغرافية، وفرض الهوية الإسرائيلية على سكانها الأصليين من الفلسطينيين مسلمين ومسيحيين، وتكثيف الاستيطان اليهودي في مختلف أحيائها وفي محيطها، وتضييق سبل العيش والتوسع العمراني أمام سكانها، لدفعهم إلى ترك مساكنهم وهجر المدينة إلى خارجها، بل إلى مغادرة فلسطين إلى مناف مختلفة، كل ذلك تنفيذاً لتغيير تركيبتها السكانية الفلسطينية العربية الإسلامية والمسيحية، وتكثيف التواجد اليهودي فيها، كركن أساسي من أركان عملية التهويد والضم للمدينة المقدسة، وتجاهل القرارات والمواقف الدولية كافة، التي أدانت وشجبت الإجراءات الاحتلالية الاستيطانية العنصرية كافة التي تواصل حكومات الكيان الصهيوني تنفيذها في المدينة ومقدساتها، وفي مقدمتها المسجد الأقصى المبارك، سعياً منها لتنفيذ مخطط التهويد لها وللمسجد الأقصى، واعتباره مقدساً يهودياً توراتياً، لا بد من إقامة وبناء الهيكل المزعوم في ساحاته أو في مكانه، بعد التمكن من هدمه وإسقاط صفة القداسة والملكية الإسلامية عنه.
فقد أزالت سلطات الاحتلال حياً كاملاً (حي المغاربة) الملاصق لحائط البراق من الجهة الجنوبية الغربية للمسجد الأقصى منذ اليوم الأول للاحتلال، وأقامت المنشآت اليهودية مكانه، وجعلت منه ساحة للتعبد التوراتي، وأطلقت على الحائط اسم حائط المبكى، وعملت على تكثيف الادعاء الكاذب باعتباره أحد جدران الهيكل المزعوم، وتواصلت الممارسات والإجراءات التهويدية للمدينة وللأقصى على السواء، ومن أخطر الخطوات التي أقدم عليها الاحتلال مؤخراً في هذا السياق اعتماد الأقصى معلماً ثابتاً في خطة المدارس الصهيونية للزيارات المدرسية: (حيث أقرت لجنة التعليم في الكنيست الصهيوني إلزام المدارس التابعة لوزارة التربية والتعليم الصهيونية بإدراج الأقصى ضمن جولاتها التعليمية للتلاميذ اليهود باعتباره «جبل الهيكل». وجاء ذلك القرار نتيجة لجلسة عقدتها اللجنة يوم الثلاثاء 16-11-2021م برئاسة السياسية الناشطة في جماعات الهيكل المتطرفة (شارن هسكل) وقد أتاحت اللجنة البرلمانية فرصة المشاركة في نقاشاتها لعدد من جماعات الهيكل المتطرفة).
وقد جاء نص القرار كالآتي: «يجب تضمين جبل الهيكل في المواقع الإلزامية لجولات وزارة التربية والتعليم».
وتمهيداً لوضع هذا القرار موضع التطبيق، فقد طلبت اللجنة من وزارة الأمن الداخلي الصهيونية أن تقدم لها إحصائية بعدد الطلبات المقدمة من قبل المدارس لتنسيق اقتحامات للأقصى في السنوات العشر الماضية.
ولا بد من الإشارة هنا إلى أن هذا القرار يأتي تطبيقاً لتوصيات مؤتمر جماعات الهيكل المتطرفة الذي عُقد في 4-11-2021م تحت عنوان مضاعفة عدد المقتحمين للأقصى بعشرة أضعاف، وكان اعتماد الأقصى موقعاً إلزامياً للرحلات المدرسية إحدى توصياته؛ التي شملت إلى جانب ذلك تعزيز الرحلات الجامعية لاقتحام الأقصى، وتشجيع التعليم الديني التوراتي داخل الأقصى، وتعزيز ارتباط منتسبي الجيش والأجهزة الأمنية بالأقصى من خلال تنظيم اقتحاماتٍ جماعية دورية.
إن تنفيذ ما تضمنه هذا القرار يمثل تصعيداً خطيراً من جانب الاحتلال، في سياق خططه التهويدية للمسجد الأقصى والسيطرة عليه، ضارباً بعرض الحائط القرارات الدولية والمواقف العربية والإسلامية كافة الشاجبة والمستنكرة لسياسات الضم والتهويد، والجارية بتسارع كبير، حيث هذا القرار ومضمونه يعدُ تحدياً سافراً للجميع، سيدفع إلى تديين الصراع وتأجيج حالات العنف، والقضاء على كل الجهود الساعية إلى احترام وضع المقدسات كما كانت عليه قبل الاحتلال بما فيه الرعاية الهاشمية لها.
إن عملية التهويد الجارية قد وضعت القدس ومقدساتها وفي مقدمتها المسجد الأقصى في عين العاصفة، التي بدأت ولن تتوقف وتزداد عنفاً يوماً بعد يوم، مع استمرار هيمنة المتطرفين من اليهود الصهاينة على حكومات الكيان الصهيوني والتزامها بتنفيذ خططها الجهنمية الفاشية والعنصرية.
على الدول والشعوب العربية الإسلامية والمسيحية أن تقف عند هذه التطورات الخطيرة التي تستهدف الأقصى وما سينتج عنها من عنف لا يعلم حدوده غير الله.
إن هذه السياسات ستقذف لا محالة المنطقة إلى جحيم صراعات دينية عنيفة، يتجاوز شررها حدود القدس وفلسطين، ليطول المنطقة بأكملها ونواحي مختلفة من العالم، ويمثل تهديداً للأمن والسلم الدولي، هذا ما يوجب ضرورة التحرك الدولي سريعاً للجم هذه السياسات الجهنمية العنصرية لسلطات الاحتلال وردعها، وإلزامها بالحفاظ على وضع مدينة القدس ومقدساتها وفي مقدمتها المسجد الأقصى كما كانت عليه قبل الاحتلال في الخامس من حزيران 1967م.
لذا يطلق الأقصى اليوم نداء استغاثة عاجلاً لكل المسلمين ولجميع أحرار العالم، على المستوى الرسمي والشعبي، لإنقاذه من سياسات التهويد، وإنقاذ المنطقة من العنف الذي ينتظرها، جراء تلك الخطط والسياسات الصهيونية.