د. تنيضب الفايدي
إن اللغة -أي لغة- مثل الكائن الحي إن لم تغذِّها ما يتطلب للبقاء فستموت، فهناك لغات لا حصر لها ماتت عبر الزمان وليست اللغة اللاتينية عنا ببعيدة، فقد كانت لغة حضارة وسطوة وقوة فبقيت أثراً بعد عين. ولكن اللغة العربية -ولله الحمد- باقية إلى الآن بعد هذا السفر الطويل، لاشتمالها بخصائص الاشتقاق والمجاز والقياس والنحت والتوليد بل أغنى بكثير من اللغات الحية الأخرى. وستبقى -إن شاء الله تعالى- على مدّ الدهر ما دام هناك قرآن يتلى، وقد تكفل الله تعالى له بالحفاظ من كل تحريف أو تزوير فقال عزَّ وجلَّ: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} سورة الحجر الآية (9). فبحفظ الله تعالى كتابه يحفظ اللغة العربية، فهي باقية ببقائه إلى يوم الدين.
ويتنبأ علماء اللغة في العالم بأن مستقبل كثير من اللغات مهدد بالانقراض والاندثار، كما حدث قديمًا مع كثير من اللغات الميتة بعد حياة قديمة، وأن قلة من اللغات هي التي ستبقى في المستقبل، ومنها اللغة العربية، فقد رأى الأديب الإسباني كاميليو جوزي سيلا -وهو الحائز على جائزة نوبل للآداب عام 1989م- ليثير كثيرًا من الجدل في الأوساط الغربية، ولا سيما دعاة العولمة، ومفاد هذا الرأي أن لغات العالم تتجه نحو التناقص، وأنه لن يبقى إلا أربع لغات قادرة على الحضور العالمي، هذه اللغات هي: الإنجليزية، والإسبانية، والعربية، والصينية.
وقال المستشرق الألماني يوهان فك: «إن العربية الفصحى لتدين حتى يومنا هذا بمركزها العالمي أساسيًّا لهذه الحقيقة الثابتة، وهي أنها قد قامت في جميع البلدان العربية والإسلامية رمزًا لغويًّا لوحدة عالم الإسلام في الثقافة والمدنية، لقد برهن جبروت التراث العربي الخالد على أنه أقوى من كل محاولة يُقصد بها زحزحة العربية الفصحى عن مقامها المسيطر، وإذا صدقت البوادر، ولم تخطئ الدلائل، فستحتفظ العربية بهذا المقام العتيد من حيث هي لغة المدنية الإسلامية.
وهذه هي الحقيقة كما يراه المستشرقون بأن اللغة العربية ستبقى إلى الأبد -بإذن الله تعالى- وذلك للأسباب التالية:
1- علاقتها بالقرآن الكريم والدين الإسلامي، والقرآن قد تولى حفظه الله سبحانه وتعالى بنفسه، فلا يمكن لأحد التعرض بالقرآن من حيث التغيير والتبديل والتحريف.
2- إن كثيراً من عبادات المسلمين وشعائرهم كالصلاة وغيرها لا يمكن صحتها إلا باللغة العربية، وهذا شيء مهمٌ لبقائها إلى الأبد (إن شاء الله).
3- إن اللغة العربية هي لغة قومية لحوالي 270 مليوناً وهو يمثل إلى جانب ذلك مرجعية اعتبارية لأكثر من مليار مسلم غير عربي، لهم علاقة باللغة العربية. وهذا العدد كافٍ وزيادة لبقاء هذه اللغة.
3- إن اللغة العربية تميّزت باللغات الأخرى بمزايا كثيرة، وهذه المزايا قد جعلتها أن تبقى حوالي خمسة عشر قرناً محتفظة بمنظومتها الصوتية والصرفية والنحوية.
4- إن اللغة العربية -كما هو معلوم- تحمل تراث وحضارة المسلمين في كل العلوم النظرية والطبية والفلسفية في جميع العصور الإسلامية حتى الآن.
5- مرّت على اللغة العربية حملات شرسة من الغزو الثقافي واللغوي أيام الاستعمار الغربي، ومع كل ذلك فقد خرجت منتصرة ظافرة، وإن شاء الله ستبقى إلى يوم القيامة.
لكن مع كل ذلك أقول إن اللغة العربية مرتبطة بالعرب والمسلمين ارتباطاً وثيقاً، فمستقبلها هو مستقبل العرب والمسلمين، وزوالها زوال العرب والمسلمين، فعليهم الدور الفعال للمحافظة عليها، وذلك بما يلي:
* إبطال الشبهات المثارة حول اللغة العربية والدفاع عنها من كل نقد.
* تعريب الحاسوب ومنزلته في دعم اللغة العربية.
* توحيد جهود الدراسات اللسانية العربية في الجامعات والمراكز العلمية.
* تعليم اللغة العربية وتطويرها عن طريق لجان متخصصة في اللغة العربية، ويصدر عن تلك اللجان كلّ ما يتعلق بتعليم اللغة مع الأساليب المناسبة.
* النشر الإلكتروني باللغة العربية، ولاسيّما خارج نطاق الدول العربية، خاصةً في اليابان والصين والولايات المتحدة والدول الأوروبية.
* استخدام جميع وسائل الاتصال مثل واتساب وإيميل وتويتر وفيسبوك و يوتيوب وغيرها من وسائل الاتصال باللغة العربية، وإيجاد مصطلحات معربة لتلك الأسماء باللغة العربية.
* تدريس بعض المواد التي تُدرّس في الجامعات باللغة الإنجليزية أو الفرنسية بلغة الأم وهي اللغة العربية تحت إشراف لجان متخصصة ومتمكنة.
* نشر العربية في الخارج وذلك بافتتاح المدارس العربية التي تعتني بتدريس العربية والثقافة الإسلامية وجذب الطلاب والطالبات ومستخدمي اللغة العربية نحو التراث الإسلامي العربي.
* التخطيط اللغوي السليم وذلك بجمع الجهود التي تهتم بانتشار اللغة العربية والسيطرة على تلك الجهود بحيث تكون منظومة واحدة.
* استثمار العوامل الاقتصادية المتاحة في البلدان العربية لنشر العربية ودعمها، وهذا مهم للغاية فإننا بمقدورنا أن نضع شرط تعلم اللغة العربية لأجل حصول الوظائف، ويمكن ذلك بافتتاح مراكز ثقافية في السفارات العربية تقدم دورات تعليمية باللغة العربية للذين يرغبون العمل في الوطن العربي بدون مبلغ مالي. ولنا في اليابان عبرة حيث تقدم دورات مجانية باللغة اليابانية لكثير من الدول تعزيزاً للروابط الاقتصادية. ويستهدف من ذلك تعليم اللغة اليابانية.