الحمد لله مقدِّر الآجال، خلق الموت والحياة ليبلو أحسن الأعمال، نقل الإنسان في عمره أطوارا، وجعل له من مرور الأيام ذكرى واعتبارا، أسبغ من إنعامه فغمر، ووفق من شاء فأخذ من عمره المدكر، والصلاة والسلام على نبينا محمد سيد البشر، جاء في رسالته بالبشائر والنذر. أما بعد:
كل صفاء في هذا الوجود يعقبه كدر، وكل سرور يخلفه حزن، يطول مكثه أو يقصر، فقوافل الراحلين لا ينقطع مسيرها، ولا يتوقف سيرها، سنة الله في عباده إلى يوم النشور.
لعمرك ما للناس في الموت حيلة
ولا لقضاء الله في الخلق مدفع
هو الموت ما منه ملاذ ومهرب
متى حُطَّ ذا عن نعشه ذاك يركب
جادة الموت عامرة بمرور قوافل البشر على اختلاف أجناسهم، وأعمارهم، وأحوالهم.
وآثار الموت تحفر في طوايا النفوس أخاديد عميقة يتعذر ردمها، ويصعب محوها، ولولا ما وضع الله في النفوس من الصبر والرضا والتجلُّد لهلك المحبون.
تنادينا المنية كل يوم
وما نصغي إلى قول المنادي
إن المنية مورود مناهلها
لا بد منها ولو عمرت أحقابا
فهن المنايا أي واد سلكته
عليها طريقي أو علي طريقها
الموت فينا سهام غير خاطفة
من فاته اليوم سهم لم يفته غدا
ويختلف وقوع هذه المصائب، وعظم تأثيرها على النفوس حسب مصدرها، وأهمية مصابها، وكل ما كان قريباً من النفس وعظيم الأثر في أسرته وأصدقائه، كان الحزن أعمق، والجرح أكبر، والمصاب أعظم، والأثر أبلغ.
ومن أجل هذا فإن القلم حين يريد أن يشرع ليخط شيئاً من مآثر ذوي المآثر وسير بعض النبلاء، أصحاب الذكر الحميد، والعمل الجليل، إن هذا القلم يستعصي عن الجريان، لتزاحم المناقب، وتكاثر الخصال المعطرة بالثناء.
وما ذلك إلا لأن من سعادة المرء في هذه الحياة أن يمنحه المولى - جل وعلا - رحابة صدر، وروح استئناس بمن حوله من يعرفه ومن لا يعرفه من أقارب وجيران ورفاق درب، وعابر سبيل، كل هذه في دروب الحياة ومساريها، تكون بنعمة الله وفضله هي زاده للمسير في هذه الحياة، بهذه المنحة الربانية، يكون تواصله بمن عرف ومن لم يعرف، ومن أجل هذا كله، وبهذه المنحة الإلهية تراه سعيداً رضياً ينشر السعادة في كل من حوله ومن يلوذ به من القريب والبعيد في زيارات ودعوات وولائم، ومناسبات، وأخبار وأحاديث فهو الأليف المألوف.
نعم، إن من فضل الله على عبده أن يعيش في هذه الدنيا محباً ومحبوباً لدى كل من اتصل به من إخوانه وأهله وأقرانه، محاطاً بالاحترام، ومتمتعاً بطيب المعشر، ولين الجانب، وحسن الأدب، وجمال الخلق، تطرب الآذان لسماع حديثه، ويأنس الجليس بالتحدث إليه، وتستعذب الألسن ترداد ذكره.
هذه الصفات والنعوت حلل لا تبلى، وخلال لا تمل، ويتجسد ذلك ويتجلى أكثر ما يتجلى من خلال خصلتين : الصداقة، والكرم.
أما الصداقة.. فمن توفيق الله تعالى أن يدرك المرء أن المودة والإخاء سبب التآلف، والتآلف سبب القوة، والقوة حصن منيع وركن شديد، بها تنال الرغائب، وتنجح المطالب. وقد امتن الله - عز وجل - على أهل الإيمان وذكرهم نعمته عندهم بأن جمع قلوبهم على الصفاء، وردها بعد الفرقة إلى الألفة والإخاء، فقال: (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا).
والصداقة والصديق عنوان ذلك التآلف، فالصداقة كصحة الإنسان لا تشعر بقيمتها إلا عندما تفقدها، فالصداقة علاقة تجمع معاني الاحترام والحب والإيثار والإخاء، وهي جسر المحبة بين القلوب، والعطر الفواح الذي ينتشر في الأرجاء، فيملأ القلبَ بالفرح، والروحَ بالمحبة.
الصداقة الجميلة بما تحمله من علاقات متينة، وذكريات لطيفة من علاقات الدين، والقربى، والجيرة، والزمالة، في اختيار يمليه الميل القلبي، والود المشترك، وخصال البر لا تحيا إلا بالتهذيب.
أما الكرم والجُود والعطاء فمِن كمال الإيمان، وحُسْن الإسلام، وهو دليل حُسْن الظَّن بالله تعالى، فبه تحاز الكرامة في الدُّنْيا، ورفع الذِّكر في الآخرة، وصاحب الكرم محبوبٌ مِن الخالق الكريم، وقريبٌ مِن الخَلْق أجمعين. وقليل الأعداء والخصوم؛ لأنَّ خيره منشورٌ، ونفعه متعدٍّ غير مقصور. وإن من ثمار الكرم حُسْن الثناء.
فالكرم سلوك يبعث على التَّكافل المجتمعي والتَّواد بين النَّاس، ويزيد البركة في الرِّزق والعمر، ويعزز في نفس الفرد شعورًا بأنَّه جزء مِن الجماعة، وليس فردًا منعزلًا، فهو زكاء للأنفس ومطهرة مِن الأنانيَّة المقيتة، والشُّح الذَّميم.
أقول هذا كله وأنا أتحدث عن أسرة كريمة من كرام العائلات، أسرة حازت النبل، والشهامة، والجود، إنها أسرة القشعمي من كبار الأسر في محافظة الزلفي، وسوف يكون الحديث عنها في أربع وقفات:
الأولى: صلتي بها، الثانية: اسمها وعراقتها، الثالثة: عميدها وشيخها الشيخ عبد اللطيف، الرابعة: ابنها البار عبد الرحمن.
الوقفة الأولى: صلتي بهذه الأسرة الكريمة فتعود إلى ما يقارب ثلاثين عاماً، منذ تقريباً عام 1414هـ، حين حضرت إلى الزلفي لإلقاء محاضرة في نادي مرخ وقضيت هناك ليلتين، أو ما يقارب ذلك، وفاجأني بل بهرني حرص ذلك الرجل الوقور كبير السن، الذي لا يظهر أنه ذو علاقة بالوسط العلمي أو التعليمي، وقد أصر بكرمه ونبله ومروءته إلا أن أزوره، وما وسعني أمام كرمه إلا أن أجيب الدعوة، مع أن البرنامج المعد لم تكن فيه مثل هذا، ولكني يعلم الله حمدت إجابة الدعوة، لما أحاطني به - رحمه الله - من الحفاوة والتقدير، ومشاعر الود، والحرص على القرب، وأذكر أنه أطلعني على المعالم التي تتبين بها معركة السبلة.
ومن بعدها بدأت الصلة تتوثق، والمعرفة تترسخ يوماً بعد يوم فلا يكاد يمر عام إلا ويحصل اللقاء مرة أو مرتين، أما في الزلفي فهو سنوي في بيته في بلدته بلدة الجوى، وكذلك حينما يأتي إلى مكة المكرمة معتمراً .
الوقفة الثانية: وقبل أن أتحدث عن هذه الشخصية النبيلة أقدم بحديث عن الأسرة التي ينتمي إليها، وهي أسرة (القشعمي) فهي جديرة بالحديث.
عائلة القشعمي من العوائل العريقة ذات المكانة والحضور في بلد الزلفي ولها انتشارها العريض في مناطق الجزيرة العربية، والشام، والعراق، وهي تنحدر من قبيلة شمر من قبائل الجزيرة العربية.
أسرة القشعمي الكريمة تنتمي إلى جدهم قشعم، هو أحد أبناء جعفر بن محمد بن شهوان بن منصور بن ضيغم، وهذه الأسرة كما تذكر المصادر التاريخية قدموا في حدود القرن السابع من جنوب الجزيرة العربية إلى حائل بما يسمى هجرة (الضياغم) وقد استقروا وأصبحوا في عداد قبيلة شمر وهم المعروفون الآن برجال (عبده) أو قبائل عبده.. أما انتقال من انتقل منهم إلى الزلفي، فتذكر المعلومات المتناقلة أن جدهم ثويني بن فارس رحل من حائل (النيصية) إلى الزلفي واستقر بها .
و(قشعم) اسم جدير بالوقوف عنده، لما في معناه من الدلالة على ما تحمله هذه الأسرة من معاني الكرم، والقوة، والشجاعة، والنبل.
تقول المصادر العربية أن (قشعم والقشعام) هو المسن أو الكبير من الرجال والنسور، وقيل هو الضخم المسن من كل شيء، وأم قشعم هي الحرب، وقيل المنية، ولا شك أن هذا المعنى يشير إلى معنى القوة والهيبة، وبه فسر بيت زهير بن أبي سلمى:
فشد ولم تفزع بيوت كثيرة
لدى حيث ألقت رحلها أم قشعم
وقشعم من أسماء الأسد، وكان ربيعة بن نزار يسمى (القشعم)
الوقفة الثالثة:الشيخ عبد اللطيف بن عبد العزيز القشعمي ولد - رحمه الله - عام 1328هـ، في بلدة الجوى من بلدان الزلفي، وله من الولد، سليمان، وبه يكنى، وعبد الله، وأحمد، وعبد الرحمن، وعبد الكريم، ومحمد، وعبد العزيز، وصالح، وعلي، وله من البنات خمس. وهؤلاء من ثلاث زوجات.
ولقد رأيته بيتاً كريماً متآلفاً مجتمع الكلمة، يلتف الأبناء حول أبيهم كأنها الكواكب حول القمر، زادهم الله توفيقاً وبراً وإحساناً، وحفظهم، وأبقى عماد بيتهم رفيعاً.
قرأ الشيخ عبد اللطيف - رحمه الله - القرآن على الشيخ عبد الرحمن بن عيد، كما قرأه على والده، اشتغل بالزراعة ولكنه لإجادته القراءة والكتابة عين إماماً وخطيباً لجامع الجوى عام 1351هـ، وكلف عضواً في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومأذوناً للأنكحة، كما عين مقدراً لزكاة المحاصيل الزراعية من قبل محكمة الزلفي، ونظراً لمكانته، وديانته، وعقله، وفضله، ووجاهته كان ينتدب لإصلاح ذات البين من قبل القاضي في الأحوال التي تستدعي ذلك .
كان - رحمه الله - ذا ورع وتقى، وكرم وجود، محباً لأهل العلم والفضل والصلاح، متواصلاً معهم، ويقربهم، ويقترب منهم، ويدعوهم إلى منزله العامر بشكل منتظم، ويصر على إكرامهم وإبداء كل أنواع الاحتفاء والتقدير والتبجيل.
فبيته بعد قلبه مفتوح للضيوف وعابري السبيل، تقام عنده المناسبات الاجتماعية من الأعياد وغيرها، وحوله يلتف أفراد الأسرة ورجالاتها.
توفي - رحمه الله - يوم الاثنين، الثامن من شهر جمادى الآخرة عام 1419هـ، ودفن في مقبرة العزيزية في الزلفي، - رحمه الله وأسكنه فسيح جنته، وأنزل على قبره شآبيب رحمته - وقد كتبت في رثائه المقالات ونظمت القصائد عرفاناً بفضله، وبيانا لمنزلته، ومكانته، وأسى على فقده. والشيخ عبد اللطيف (أبو سليمان) - رحمه الله - محب لأهل العلم والفضل والصلاح، وذوي المكانة الاجتماعية، يأنس بهم ويقربهم، ويعرف لهم منازلهم كما أنه حفي بكل من كان في رحاب كرمه من الأقرباء والغرباء، فهو مضياف كريم، كما أنه حلو الحديث، كما يجتمع في دعواته ومناسباته وجهاء البلد، وكبار المسؤولين، والقضاة، ورجالات التعليم، ومديري الإدارات الحكومية، وكلهم يسارع لتلبية دعوته، لأنه يعلم أنه لو تأخر عن الإجابة فسيكون ملوماً، لأن الشيخ كريم يحب أن يرى الضيوف يملأون بيته.
وقد سعدت وتشرفت أن أكثر لقاءاتي به - رحمه الله - ومع أبنائه الكرام، هو بصحبة شيخنا الشيخ محمد السبيل والشيخ عمر السبيل - رحمهم. الله - وكذلك شيخنا الشيخ محمد بن صالح العثيمين .
ومن طرائف ما أذكره عن الشيخ، أن الشيخ بن عثيمين - رحمه الله - وهو الذي يحب الشيخ ويقدره، وقد خصص له يوماً في السنة يزوره فيه، ويقيم عنده غالب اليوم، لمحبته للشيخ، وللطف الشيخ، وجميل احتفائه، والشيخ بن عثيمين - رحمه الله - على وقاره وحفظه لحق العلم ومكانته إلا أنه يباسط جليسه ويداعبه بما لا يخرج عن الوقار، وفي إحدى المرات قال الشيخ بن عثيمين للشيخ عبد اللطيف: يا شيخ عبد اللطيف هالثوير اللي عندكم، وهو يشير إلى منطقة الثوير المجاورة لبلدة الجوى، متى يكبر؟ فأجاب الشيخ عبد اللطيف على البديهة: إذا كبرت عنيزة، وهي بلد الشيخ بن عثيمين، فضحك معجباً برد الشيخ، وأظنه قال: إن البلا موكل بالمنطق.
ومن لطف الشيخ عبد اللطيف وجميل احتفائه وكرم نفسه أنه في كل زيارة له يصر على أن يصحبنا مودعاً ومشيعاً، فيسير معنا بسيارته إلى ملتقى طريق الزلفي بطريق الرياض القصيم وهي مسافة تقارب ثلاثين كيلو، على الرغم من كبر سنه وإقعاده، ولا يكتفي بهذا بل يبدي من عبارات الأسف على الفراق مما يجعل الضيف يشعر بالخجل والصغر أمام هذا الشيخ الوقور، بل إنه يردد هذه العبارة بحسرة وحرقة - جزاه الله خيراً وأحسن إليه - في كل مرة: «وانتهى وقت الزيارة، وهل ستفارقوننا. وترحلون عنا « يقولها باللهجة العامية: «بس وقضينا» وباللهجة الزلفاوية المحببة بفتح الضاد وإمالة الياء في «قضينا» والتي يقرب نطقها من الفصحى، وأشعر. بوقعها على أذني، وكأنه ينطق بها الآن - رحمه الله - ، لما أشعر به من صدق مشاعره ومحبته وكرم نفسه، بل ما يظهره من حرقة وشوق لما يؤمله من تجدد اللقاء القادم.
غاب ورحل الكريم فقيد الشهامة، ورمز الرجولة، وعنوان الكرم، لا تبرح الابتسامة محياه، ولا يغادر الترحيب باسم ثناياه.
لئن بليت فلا يبلى نداك ولا
تنسى وكم هالك ينسى إذا قدما
وغداً سيذكرك الزمان ولم يزل
للدهر إنصاف وحسن جزاء
لقد غاب سمح المحيا، جميل الذكر، نبيل الخلق، حسن السيرة، كريم المسيرة، أبو سليمان عبد اللطيف القشعمي - رحمه الله -.
الوقفة الرابعة: المضياف الكريم عبد الرحمن بن عبد اللطيف بن عبد العزيز القشعمي (أبو عبد اللطيف).
قبل أن أتحدث عن هذا الرجل الكريم أحب أن أقدم بهذه المقدمة كنا إذا حضرنا عند الشيخ الوالد عبد اللطيف ترى أولاده الكرام كلهم حوله وبقربه وتحت أمره ورهن إشارته، ولم يكن عبد الرحمن متميزاً ببروز أو ظهور أو مبادرات حتى أننا لا نكاد نعرفه من بين إخوانه، ولكنني أحفظ كلمة كان يرددها الشيخ عبد اللطيف وهي قوله: إن ابني هو عبد الرحمن، وكنت أسمع هذه الكلمة لا تكاد تغادر فمه، ولكنني لم ألق لها بالاً، لأن الأبناء الكرام كلهم يكادون يكونون متساوين في الظهور والحضور في حياة أبيهم، بل لعل عبد الرحمن كان من أقلهم بروزاً أو ظهوراً، ولكن لما توفي الوالد - رحمه الله - أدركت عمق الكلمة، ودقة الوالد في معرفته لأولاده، فحالما توفي - رحمه الله - إذا بعبد الرحمن يتقدم ليكون في المقدمة وليحل محل والده، ويملأ مكانه، ويخلفه في كرمه، ونبله، وحبه لأهل العلم والفضل وتقديمه لهم وإكرامهم والحرص على دعوتهم، بل الإلحاح والإصرار الكبير الذي لا تكاد تراه في هذا الزمن وفي أبناء هذا الجيل سيراً على نهج والده، واقتفاء لآثاره في نبله وكرمه.
إنه عبد الرحمن بن عبد اللطيف بن عبد العزيز القشعمي، المولود في الجوى، عام 1378هـ، في محافظة الزلفي، عاش في كنف والده، ونظراً لتأخر افتتاح المدرسة في الجوى حتى عام 1391هـ لأن الجوى منطقة ريفية تكاد تكون مزارع قليلة البيوت جداً، فلما افتتحت المدرسة التحق بها، وقبل ذلك اشتغل بالرعي والزراعة، وأكمل دراسته الابتدائية عام 98 / 99 هـ، ويبدو أنه لكبر سنه نسبياً لم يتوجه لإكمال تعليمه مع أنه شخصية جادة وعملية، فالتحق بشركة الطوالة للتجارة والمقاولات في جميع أعمالها في النقليات والزراعة، وهو يتميز - رحمه الله - بالجدية كما أسلفت وحب العمل حتى انه لم يقتصر على ساعات الدوام وأوقاته، بل كان يعمل ويكد ويكدح من شروق الشمس إلى غروبها، واستمر في هذا العمل حتى وفاته - رحمه الله - .
أخونا عبد الرحمن عرف برقته وعاطفته الجياشة وبخاصة نحو أقاربه وفي مقدمتهم أبناؤه وبناته يحبهم ويحنو عليهم ويتفانى في خدمتهم وتأمين العيش الكريم لهم.
أخونا أبو عبد اللطيف: كريم، مضياف، شهم، نبيل، منحه الله حسن الخلق، وحب الناس، والتحمل والصبر، ولا نكاد نسمع منه كلمة نابية أو موقفاً تنتقده فيه، بل كان أليفاً، مألوفاً، وقوراً، يحفظ لكل ذي حق حقه، بل كان يحرص على الشفاعة لأقاربه والاتصال بالمسؤولين وذوي الوجاهات ليقضوا ما يريده أقاربه.
نعم لقد حلّ أبو عبد اللطيف محل والده وملأ مكانه ومكانته، وحافظ على هذا البيت الكريم ليكون مقصداً للعلماء والوجهاء والفضلاء والمسؤولين، بل إنه وسع مجلسه وديوانيته وأعاد بناءه وتصميمه ليستقبل أكبر عدد من الضيوف والمدعوين، حتى أصبحت من أكبر الديوانيات على مستوى المحافظة.
ولو ذكرت جميل صنائعه إلا بكيت ولا ود ولا سبب
ومما يميز هذه المجالس القشعمية سواء في مجلس الوالد أو مجلس أبي عبد اللطيف أنها مجالس محترمة للغاية، لا تسمع فيها لغطاً ولا لهواً، بل فيها الأدب والوقار مع الانبساط والود والبهجة، إن مجلسه سالم من الهزء واللمز والاغتياب، بل تخللها توجيهات وإرشادات وكلمات علمية نظراً لحضور أهل العلم والصلاح منهم من سبق ذكره ومنهم الشيخ الجليل الدكتور/ عبد الله بن محمد الطيار، وغيرهم .
وبعد، فرحم الله هذين الشهمين الكريمين النبيلين، وأنزلهما منازل النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا، وأصلح عقبهما وذريتهما، وحفظ هذه الأسرة الكريمة، وحفظ لها عزها وشموخها، وكرمها، وأبقى الخير فيها، وفي أبنائها إنه سميع مجيب.
ألا إنما الإنسان ضيف لأهله
يقيم قليلاً بينهم ثم يرحل
* * *
يعز عليّ حين أدير عيني
أفتش في مكانك لا أراك
* * *
وهذه هي الدنيا دار الأكدار ودار المفاجآت والمنغصات
* * *
تحزن وتبكي وتجمع وتفرق ولا نقول إلا ما يرضي ربنا
- والحمد لله رب العالمين.
** **
كتبه: صالح بن عبدالله بن حميد - إمام وخطيب المسجد الحرام