د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** تتيه الذاكرةُ فتنسى - لعامل السنِّ أو الغفلة أو هما معًا- أنها التقت بالشيخ محمد الأمين الشنقيطي 1905 – 1974 م صاحب «أضواء البيان»، وبالشيخ محمد أيوب 1952 -2016م أحد أئمة المسجد النبوي ، وسواهما ممن قد يُذكِّره بهم أصدقاؤُه ذوو الذاكرة النابهة، وأبرزهم الصديق الوفيّ عبدالعزيز العلي القاضي الذي أيقظَ ذكرياتٍ ملأى بما نسيَ أو أُنسي خلال رحلات المعهد العلميّ والمركز الصيفي في التسعينيات الهجرية حيث رأى وبعضُ زملائه الشيخين الجليلين، عليهما رحمة الله.
** الغريب أنه ما يزال يذكر من الرحلات نفسها اجتماعَهم بالشيخ عبدالعزيز بن باز 1912 - 1999 رحمه الله وتناولَهم الغداء على مائدته في منزله عند زيارة الجامعة الإسلامية؛ فلعلَّ لذاكرة المَعدةِ مقدرةً أكبر على مقاومة النسيان، غير أنه يذكرُ يومًا مقاربًا لتلك الفترة حين توقف والدُه بسيارتهم عند محطة وقود في طريقهم من المدينة إلى عنيزة، ثم نزل مسرعًا ليعانق شيخًا جليلًا عرف حينها أنه الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد 1921 – 2019 م غفر الله لهما – حيث كان على معرفة به خلال عمله في بريدة.
** كذا ارتبط صِباه بمدينة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم؛ فإضافةً إلى الرحلات المدرسية فقد حظي برفقة والديه وأشقائه وعمّيه: أحمد وعثمان رحمهما الله وأولادهما في موعدٍ متجددٍ كلَّ عام لزيارة المدينة المنورة وقضاء أيامٍ فيها، ولعل قربَ المنطقتين أحدُ أهمِّ عوامل استقرار عوائل قصيميةٍ في المدينة الأثيرة.
** على النهج نفسه سار بعدما كبر؛ فلا يكاد يمرُّ عام دون أن يخصص إحدى إجازاته للمكث فيها مع أسرته، كما ارتبط بوشائج صداقةٍ حميمة مع بعض أهلها، وفي طليعتهم صديقُ عمره «الثقافي» الدكتور محمد بن إبراهيم الدبيسي الذي لا تكتملُ الرحلة دون الالتقاء به هناك؛ مرةً في الحرم النبوي، ومرارًا في مقاهٍ ومتنزهاتٍ ومنازل وزيارة آثار، وربما انضمَّ إليهما أصدقاءُ محبُّون كالدكتور عبدالله عسيلان، والدكتور عائض الردادي، والأستاذ عيد الحجيلي، والأستاذ خالد الطويل وآخرين، سقى اللهُ أيامهم.
** ظلَّ «أبو يزيد» أحدَ أبرز أصفيائه في الوسط الثقافي؛ فقد جمعتهما «الجزيرة» وقت أنْ عملا في صفحاتها الثقافية منذ ثلاثة عقود؛ فكان خيرَ سندٍ له في مهامه الصحفية إذ كتبَ وحرّرَ وقدّمَ موادَ نوعيةً تمثل عمقَ ثقافته، وجمالَ أسلوبه، وسعةَ علاقاته، وتوازنَ فكره، وثراء ذاكرته، ولم يحلْ بعدُ المسافة إثر انتقال عمل الدبيسي من الرياض إلى المدينة عن أن يتعززَ الوصلُ بينهما، وما يزال يصطفي «الثقافية» بجديد نتاجه، ومن تميزه أنْ ضمَّ رقةَ الأدب إلى حزم العسكرية، فمثّلَ حضورًا مشرقًا هنا كما تاجٍ ونجوم هناك.
** الدبيسي معنيٌ بالتأريخ الثقافي للمدينة المنورة، وقد أصدر عددًا من المؤلفات متصلةً بالحركة المسرحية فيها ومدار الكتابة عنها وأعلامها وأعضاء الوادي المبارك وحكي الذات حولها، ولا ينسى امتنانَ والده رحمه الله لمحمد حين أهداه نسخة كريمة نادرة من المصحف الشريف ما تزالُ تتصدر مكتبته.
** الأوفياءُ لا يُغادرون.