محمد أحمد أبوبكر
الكتابة فن من الفنون الإنسانية، ويُعنى بنقل المخبوء والمخزّن في تلافيف الدماغ وغياهب العقل من أفكار ومعلومات وذكريات وأحداث إمّا على الورق أو على شاشة الحاسوب.
لكن كيف هو السبيل إلى إتقان هذا الفن الراقي والتميز فيه؟
لا يمكن أن يتصور أحد منا شخصًا يجيد فن الكتابة وهو لا يستعين بالمحرك الأساسي لها وهو القراءة، فمهارة القراءة المثمرة هي أهم عوامل التميز الكتابي لأن من أدمن القراءة لسنوات وسنوات يجد عقله قد حُشِيَ بأطنان من المعلومات في كل مجال وهذه القريحة لا بد لها من أن تشتعل، واشتعالها إنما يكون بالكتابة بأسلوب جميل ومنظم ومرتب والكاتب الجيد والفطن هو من ينزع إلى البساطة ما استطاع إلى ذلك سبيلًا.
الكتابة لا بد لها أن تكون خالية من اللحن والخطأ وطريق ذلك هو بمعرفة قواعد النحو والإملاء الصحيح، فمن العجيب أن نجد من ينصب المرفوع ويرفع المجرور، أو يقع في أخطاء إملائية لا يقع فيها طالب مبتدئ، وأيضًا مرد ذلك هو التمرس في قراءة الكتب لأن العين تحفظ الكلمات والجمل والتراكيب اللغوية الصحيحة، ومما يعين على ذلك إدامة النظر في معاجم وقواميس اللغة العربية مثل لسان العرب لابن منظور والقاموس المحيط للفيروز آبادي والمعجم الوسيط.
الكاتب المتميز لا يمكن أن يكون ذا ركاكة في أسلوب كتابته، فإذا ما داومت على القراءة لكبار الكتاب والمؤلفين والقصّاص والأدباء والرواة فستتأثر الذائقة اللغوية عندك بشكل إيجابي وشيئًا فشيئًا يصبح لديك أسلوبك الكتابي الخاص.
من تجربتي الخاصة في القراءة والمطالعة على مدى سنوات طوال أجد في نفسي محفزًا يحفزني ويلهمني نحو الكتابة والتعليق.
كيف ذلك؟
قبل مدة سمعت إحدى الأستاذات المثقفات والمهتمات بالمال والأعمال والاقتصاد والإدارة والتمنية الذاتية تتحدث حديثًا عابرًا في شأن ما والتقطت أذناي لفظة أميركا وفترة السبعينيات ولأن ذاكرتي كانت زاخرة بصنوف التفاصيل والمعلومات عن تلك المرحلة حيث كانت شتاتًا من قراءات في عدة كتب وصحف ومجلات ومتابعات للتلفاز والإذاعة والإنترنت، وترسب كل ذلك عبر السنين في أعماق الخلايا الرمادية إلى أن حانت اللحظة المناسبة التي استيقظ فيها المارد من قمقمه، وشرعت أحرر تعقيبًا مناسبًا ومطوّلاً.
والعبرة من ذلك أنك قد تكون بحاجة إلى شيء ما يوقظ ما قد رقد في أعماقك منذ سنوات حتى يخرج إلى النور، مثل العالم الشهير اليوناني أرخيمدس الذي اكتشف قانون الطفو وهو يغتسل في حمام عام فخرج عاريًا وهو يصيح أوريكا أوريكا أي وجدتها وجدتها.
الكتابة عبارة عن شخص يقود السيارة ولا بد له من وقود كاف حتى يحركها، والوقود هنا هو القراءة إذ بدونه لا يمكن للكاتب أن يحلّق عاليًا في فضاء الكتابة السامق، أو أن يوغل فيه بنهم ولذّة.