صبار عابر العنزي
«السمق» عند العامة هو الجبان وهي صفة لطائر معروف ينتشر في بقاع كثيرة من العالم، أنثاه تبيض بيضتين لونهما أبيض منقط باللون الأسود اسمه الكروان وجمعه كراوين من رتبة طوال الساق ويتبع فصيلة صغيرة من الطيور تعرف بالفصيلة الكروانية و»السمق» يعد المهاجر الكبير الذي ينشط ليلاً ويدفن بيضه عندما يخرج بحثاً عن الطعام...
«السمق» طائر مظلوم متهم بالجبن وهي صفة تطلق على الأشخاص الذين يخافون بشكل مبالغ به وقلوبهم ضعيفة، والحلّ لأي مشكلة هو الفرار من المواجهة...
فالجبان شخص يتلون مع كل موقف ليس له مبدأ يهتدي به في حياته، وفي علاقاته وأعماله واتصالاته وهو مبدأ التكيف مع جميع المواقف حتى لو كانت متناقضة في وجدانه الداخلي, لا يجد إلا خيمة الكذب يتستر تحتها، كي يخفي ذاته داخلها، ويتسم الجبان بضعف الإرادة، وخورها واستسلامه بسرعة يسيطر عليه عامل القلق بشكل مرتفع في أدنى المواقف وكذلك الشعور بالعجز والدونية والخوف من كل شيء، الجبان غير قادر على مواجهة الأحداث والمواقف وتجده دائماً يعاني من التبعية المطلقة للآخرين فكرياً وعاطفياً ولا يتمتع بوجهة نظر مستقلة قدر تبعيته للآخرين تماماً حتى لو كان الآخر على خطأ...
والسمق الذي يشبه به الجبان طائر صحراوي يهاجر في الشتاء ويعبر البلدان، يظهر خلال شهر مارس وشهر أكتوبر من العام يألف المناطق شبه الصحراوية والأراضي الحصوية والمزارع، يتجمع بقرب من الجيف حيث تجذبه الرائحة الكريهة...
والجبن أعلى درجة من الخوف إن جاز التعبير فالخوف من الأمور الطبيعية التي من السهل أن يشعر بها الجميع، ولكن الجبن من الصفات المذمومة التي لا بد أن لا تكون في الرجال...
ويتغذى الكروان الصحراوي «السمق» على بذور النباتات والحشرات الأرضية وبعض الزواحف الصغيرة وبعض أوراق النباتات وأيضاً على الحشرات والديدان والحيوانات والثعابين الصغيرة...
لذا كانت بعض القبائل العربية تقتل الجبان ليكون عبرة للغير ويتغنى شعراؤهم بالشجاع ويمقتون خصلة الجبن:
وإذا لم يكن من الموت بد
فمن العجز أن تموت جباناً
قال هانئ الشيباني لقومه يوم ذي قار يحرضهم على القتال:
(يا بني بكر، هالك معذور خير من ناجٍ فرور، المنية ولا الدنية، استقبال الموت خير من استدباره، الثغر في ثغور النحور خير منه في الأعجاز والظهور، يا بني بكر، قاتلوا، فما من المنايا بدٌّ، الجبان مبغَض حتى لأمِّه، والشجاع محبَّب حتى لعدوه).
فالعرب قالت اقتحموا الموت، فرُب جريء كتب له السلامة، ورُب جبان لقي حتفه في مكمنه ولا داعي للخوف من صوت الرصاص.. فالرصاصة التي تقتلك لن تسمع صوتها ومن لم يمت بالسيف مات بغيره تعدّدت الأسباب والموت واحد...
وكثيراً ما يتملكنا شعور بالخوف من أشياء أو مواقف معينة، فلا يمكن إزالة هذا الخوف إلا بالخوف من الله سبحانه والاتّكال عليه، وللتعامل مع الخوف في النظر إليه على أنّه أمر واقع، ومحاولة تحويله إلى غضب، والطريقة الوحيدة لمعالجة الخوف هي أن تخرج وتخيف نفسك، فحتى لو لم تكن شجاعاً، فإن تعرضك للخطر باستمرار سوف يجعلك تعتاد عليه حتى يزول الخوف من تفكيركم نهائياً...
الجبان يحرص على أن يقول الكثير والكثير ولكنه وقت الجد يتلاشى ويذوب كقطعة من الثلج، يهرب من المواقف الحاسمة كالقط الخائف، نوع من الرجال غير ناضج ولا يدرك أن الحياة بها صعاب ومشكلات لا بد من مواجهتها...
أخيرًا قالت إحداهن: الرجل الجبان يملك القدرة على الحب... لكنه لا يملك القدرة على الوفاء بوعوده في الحب...!