د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
لا شك أن نظام الكهرباء يعد من القطاعات الحيوية، ومن القطاعات الخدمية المقدمة للمواطنين، ولم تتغافل رؤية المملكة 2030 عن تطوير وتنظيم هذا القطاع الحيوي، خصوصا أن متوسط استهلاك الفرد السعودي للكهرباء يصل إلى ضعف المتوسط العالمي، حيث متوسط استهلاك الفرد السعودي للكهرباء وفق بيانات البنك الدولي نحو 8500 كيلو واط، لكن هناك دول باردة تستهلك أكثر من الفرد في السعودية، فمتوسط استهلاك الفرد في أمريكا 12900، والسويدي 13400 والكندي 15500، وكذلك أسعار الكهرباء مرتفعة بالنسبة للمواطنين نسبة إلى الدخل، بسبب اعتمادها على الوقود الأحفوري، ليس هذا فحسب، بل لا يزال نظام الكهرباء يتبع نظما تقليدية في توزيع الكهرباء بين مناطق المملكة في إيصال الكهرباء إلى المناطق النائية والطرفية.
هناك نظام كهرباء جديد في السعودية، يتجه نحو تطبيق سياسة الاقتصاد الرقمي، من أجل الارتقاء بالخدمات الكهربائية التي تعنى بالمستهلك وحماية حقوقه وفق أسعار تنافسية معقولة مبنية على أسس تجارية تحقق العدالة، والمهم توفير إمدادات كهربائية مأمونة وموثوقة يمكن الاعتماد عليها وذات كفاء عالية، خصوصا بعد اعتماد الربط الكهربائي بين دول مجلس التعاون الخليجي من جانب، وبين دولة مصر، إلى جانب الاتفاقية في شهر أغسطس 2020 مع الأردن بطول تقريبي يبلغ 164 كيلو مترا، من أجل الحفاظ على احتياطي مناسب من قدرات التوليد في محطات الإنتاج وقت زمن الذروة، وقد يختلف زمن الذروة بين الدول، فالربط الكهربائي يوفر احتياطيا مناسبا من الكهرباء يستخدم في الدول التي لديها ذروة تختلف عن الذروة في الدول الأخرى، ما يسهم في ترشيد التوليد المنفرد.
اتجه قطاع الكهرباء نحو تفعيل التحول الرقمي في صناعة الكهرباء، حيث ينطوي التحول الرقمي على إمكانات هائلة بقيمة تقدر بنحو 1.3 تريليون دولار لقطاع الكهرباء حتى عام 2025، حسب أرقام منتدى الاقتصاد العالمي، الذي يساعد على تحسين كفاءة وحدات الأعمال التشغيلية، ودفع عجلة الابتكار من أجل رفع مستوى خدمة العملاء، حيث يلعب مقدمو التكنولوجيا دورا رئيسيا في رقمنة صناعة الكهرباء، باعتبار أن سوق الكهرباء المنزلية سوق تنافسية مزدهرة ترتفع فيها قيمة الأعمال المتبادلة، وتوجد قيم عالية بين الشركات داخل صناعة الكهرباء وبين الشركات خارج الكهرباء، بل نجد أن أسواق المدن الذكية تحذو حذو شركات صناعة الكهرباء.
سترتفع أهمية صناعة الكهرباء في الفترة المقبلة، من خلال توفر قيم جديدة تفعل هذه الصناعة وترفع من أهميتها، وبشكل خاص التركيز على الاستدامة والبقاء في خريطة الصناعة في المرحلة الرقمية التي تمكنها من التأقلم مع الظروف الحالية والتحديات المتراكمة، لذلك سيكون التحول الرقمي هدفا منشودا في معالجة مثل هذه التحديات، وأيضا الحد من ارتفاع تكاليف إنتاج الكهرباء.
ولا يمكن أن تنفصل صناعة الكهرباء عن مبادرة السعودية الخضراء عن خفض انبعاثات الكربون من خلال تنفيذ مجموعة متنامية من مشاريع الطاقة المتجددة، وتقليل الانبعاثات الكربونية بأكثر من 4 في المائة من الإسهام العالمي من خلال توفير 50 في المائة من إنتاج الكهرباء من خلال مشاريع الطاقة المتجددة بحلول عام 2030 ترمي إلى بناء مستقبل مستدام للجميع.
فإدخال الطاقة المتجددة في صناعة الكهرباء في السعودية وفقا لرؤية المملكة 2030، خصوصا أن استهلاك الكهرباء شهد خلال العقدين الأخيرين ارتفاعا حادا، بسبب النمو الاقتصادي السريع، ويستخدم ما يقدر 73 في المائة من الطاقة الكهربائية المولدة في البناء، فيما يستهلك التكييف ما نسبته 65 في المائة من هذه الطاقة.
لذلك تسعى السعودية بحسب غرفة الرياض إلى زيادة القدرة الفعلية لمصادر الطاقة المتجددة لما يقارب 58.7 جيجاواط بحلول عام 2030 منها 40 جيجاواط من مصدر الطاقة الشمسية، ووفقا للاستراتيجية الجديدة رفع الهدف الشمسي العام في 2023 من 5.9 جيجاواط إلى 20 جيجاواط، وأبرز المشروعات تقع في المدينة المنورة، سدير، القريات، الشعيبة، جدة، رابغ، رفحاء، سكاكا، دومة الجندل، وينتج مشروعا سكاكا ودومة الجندل فقط حاليا نحو 3670 ميجاواط، وقد حققت السعودية السعر الأكثر تنافسية على مستوى العالم في توليد طاقة الرياح حيث سجل مشروع دومة الجندل لطاقة الرياح (400 ميجاوات) سعر تكلفة إنتاج الكهرباء بلغ 1.99 سنت / كيلوواط، فيما تبلغ أسعار الكهرباء في السعودية 0.048 دولار للكيلوواط، للمنازل و 0.069 دولار للقطاع التجاري، ويبلغ إنتاج السعودية حاليا من الطاقة الكهربائية 61 جيجاوات، يتوقع أن يرتفع حجم الطلب في 2030 نحو 120 جيجاواط.
إذا كانت أسعار الكهرباء في السعودية أقل من المتوسط العالمي البالغ 0.14 دولار للكيلوواط في الساعة للمنازل في الساعة، 0.12 دولار للكيلوواط للشركات، والعبء الاقتصادي الذي تتكبده الحكومة لدعم الكهرباء عائقا نحو تحقيق اقتصاد مستدام، ووفق دراسة قدمها مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية المهتم بالطاقة المتجددة التي تعد الطاقة المتجددة جزءا أساسيا من خطة تنويع مصادر الطاقة، وتعزيز متانة الاقتصاد، واستدامته وفقا لرؤية المملكة 2030، وأضافت الدراسة أن النمو المتزايد للطلب على الكهرباء في السعودية قد يؤدي إلى إنتاج واستهلاك متساو من النفط في عام 2035، فيما المصادر المتجددة تقدم قيمة مكافئة مقابل كل برميل نفط يمكن توفيره للتصدير، أو استثماره في مشاريع تحويل النفط إلى صناعات أخرى.