بدور المطيري
(مجلس التعاون الخليجي سينتهي قريباً) بهذه العبارة صدمتني خبيرة أجنبية متخصصة في شؤون الشرق الأوسط منذ عامين تقريبا، ليكون ردي عليها (فالك ما قبلناه) لتسهب في شرح المعطيات السياسية والجيوسياسية التي تمر بها دول الخليج وبأنها بوادر على انتهاء وتفكيك هذا المجلس، فكان ردي بجملة لطالما رددناها بعفوية (خليجنا واحد) وبأن الأيام ستكون حبلى بالمفاجآت السارة لدول المجلس لأن كافة أبحاثها الأجنبية لا تستطيع أن تقيس مدى عمق وتجذر العلاقات الأخوية والتاريخية التي تربط بين شعوب الخليج على جميع المستويات.
مر مجلس التعاون الخليجي بأزمات وتحديات كثيرة منذ بداية تأسيسه، وكان قدره أنه يوجد في إقليم مضطرب تحدوه بلدان تتزعزع أمنياً، ومع كل أزمة عصفت لتهز هذا البيت الخليجي كانت تخرج منها بدروس وعبر تتجه بها نحو المزيد من توطيد العلاقات الأخوية بينها.
الجولة الخليجية المميزة التي قام بها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لا يمكن أن نقول إنها زيارات عادية أو القول حتى بأنها خطوة استباقية للقمة الخليجية المزمع عقدها هذا الأسبوع في العاصمة السعودية، لأن هذه الجولة حملت عدة مضامين ورسائل تأكيدية بمدى رسوخ الأواصر الأخوية لدول المجلس الخليجي وبأن التكاتف والتعاضد بين دوله والسير على نهج الآباء المؤسسين هو أفضل صد منيع ضد الأطماع الخارجية.
فالآباء أدركوا مبكراً أن الوحدة الخليجية وإيجاد كيان قوي يضم دولها ويحمي مصالحها هو أفضل ما يمكن أن يقدموه لحماية شعوبهم من الأطماع، لتثبت الأيام عمق رؤيتهم وبأن العالم الكبير لا يصمد فيه إلا التحالفات القوية ولا مكان فيه للضعفاء.
الجولة الخليجية التي قام بها ولي العهد السعودي الأمير الطموح محمد بن سلمان هي جولة عميقة في آثارها، قدم فيها أهم ركيزة في أي اتحاد وهو صدق النوايا والعزيمة المثابرة الطموحة المقترنة بأفعال ورغم أنها لساعات في كل بلد إلا أن إصراره أن يخرج منها باتفاقيات ثنائية على مختلف الملفات السياسية والاقتصادية والأمنية والإعلامية ليثبت أن التحالف الخليجي ليس فقط اسماً أو شعاراً يتم ترديده بل إنه يزداد رسوخاً وعمقاً وتعاوناً بما يمهد لمرحلة جديدة تحمل تطورات إيجابية كبيرة جدا في نضوج العلاقات بين بلدان الخليج التي تعلمت فيه بعد كافة الأزمات التي مرت بها أن قوتها تكمن في وحدتها وفي تراص صفوف هذا البيت وأركانه بما لا يسمح لأي طرف خارجي التأثير فيه أو الاقتراب منه وأن يقتات على خلافاته البسيطة أو يدس السم في عسل الدبلوماسية.
فلم تكن الحفاوة الكبيرة على المستويين القيادي والشعبي التي تم استقبال الأمير ابن سلمان في كل بلد يزوره إلا تعبيراً عن تأييده في رؤيته بالحفاظ على نهج الآباء في وحدة تلاحم البيت الخليجي وفي نضوج هذه الأواصر.
بقى أن أذكر أن الخبيرة الأجنبية طلبت مني ترجمة (فالك ما قلبناه) فكانت ترجمتي لها (Together for ever)!
** **
- صحفية وكاتبة كويتية