يعد الحديث عن سير الشخصيات مصدراً من مصادر تاريخ المكان الذي تركت تلك الشخصيات بصمتها فيه؛ ذلك أن الوثائق التاريخية سطّرت أسماء شخصيات كان لها دور بارز في خدمة الوطن والمواطن، ويعد الشيخ عبد الرحمن بن يوسف - رحمه الله - من أولئك الرجال الذين أسهموا بشكل مباشر أو غير مباشر في التاريخ الحضاري للقريات.
نحن أمام شخصية عملت في منطقة الجوف والقريات خلال مرحلة مهمة جداً من مراحل البناء والتطوير، بدأت منذ العقد الثاني لدخول هذه المنطقة في حكم الملك عبد العزيز - رحمه الله -، حيث أسهم الشيخ عبد الرحمن بن يوسف في هذه المرحلة المهمة من تاريخ منطقة الجوف والقريات بما كان يمتلكه من خبرات كبيرة ومتنوعة اكتسبها في سن مبكرة جداً، حيث عمل في إمارة القريات ومفتشية الحدود الشمالية الغربية أكثر من ثلاثين سنة خلال الفترة (محرم 1357 - ذو الحجة 1387هـ) خدم فيها القريات وأهلها مع الأمير عبد العزيز بن أحمد السديري - رحمه الله - وابنيه من بعده: (عبد الله، سلطان) - رحمهم الله جميعاً -، فحصل على ثقتهم مما جعلهم يخولونه صلاحيات كبيرة جداً كان أهلاً لها.
ولد الشيح عبد الرحمن بن عبد الله بن عثمان بن يوسف في أشيقر سنة 1337هـ، وعاش حياة صعبة جداً فقد فيها والدته - رحمها الله - بعد ولادته، كما كان يعاني والده من إصابة لحقت به في معركة جراب سنة 1333هـ فأقعدته عن العمل؛ لذا اعتمد الشيخ عبد الرحمن بن يوسف على نفسه في سن مبكرة جداً فسافر في الثالثة عشرة من عمره إلى الجبيل وعمل عند أحد تجارها مدة سنة، ثم ركب بعدها البحر فأصبح غواصاً رسمياً في المياه التي بين الجبيل والكويت، غير أن حادثة الغرق التي وقعت له وكاد بسببها يفقد حياته (حادثة الطبعة) جعلته يترك الغوص ويتجه إلى الشيخ عبد الله بن حمد النفيسي - رحمه الله - في الكويت، الذي أدخله في المدرسة الأحمدية ليكمل تعليمه، ثم اصطحبه معه في رحلة حجه وأبقاه عند الشيخ محمد بن عبد العزيز الدغيثر - رحمه الله - رئيس ديوان البرقيات فالتحق بمدرسة الفلاح للتزود بالعلم والمعرفة، ثم عمل مع الشيخ محمد الدغيثر في ديوان البرقيات.
في سنة 1348هـ التحق الشيخ عبد الرحمن بن يوسف بخدمة ولي العهد الأمير سعود بن عبد العزيز - رحمه الله - [الملك فيما بعد]، ثم في سنة 1349هـ تعين على وظيفة (كاتب متجول) رافق أمراء الحدود السعودية بين الرقعي والحفر (حفر الباطن)، ثم انتقل للعمل في إمارة رجال ألمع عندما كان الأمير تركي بن أحمد السديري - رحمه الله - أميراً على منطقة عسير، ثم في سنة 1352هـ انتقل للعمل في إمارة نجران مع الأمير عساف الحسين - رحمه الله - واستمر حتى نهاية سنة 1354هـ.
خلال الفترة (1355 - 1356هـ ) عمل الشيخ عبد الرحمن بن يوسف مع الأمير عبد العزيز بن أحمد السديري في إمارة منطقة الجوف، وبعدما تعين الأمير عبد العزيز السديري أميراً على منطقة القريات ومفتشاً للحدود الشمالية والشمالية الغربية سنة 1357هـ أحضر معه الشيخ عبد الرحمن بن يوسف ليكون الكاتب الثاني في إمارة القريات، ليترقى ابن يوسف في وظائف حكومية عدة، حيث وصل إلى وظيفة نائب الإمارة ومعاون أمير القريات، ثم مديراً عاماً للمكتب العام بوزارة الداخلية، فأميراً لأملج سنة 1390هـ، حتى بعد بلوغه سن التقاعد تم التمديد له ومن ثم بعد تقاعده تم التعاقد معه للعمل كمفتش في وزارة الداخلية.
ابتدأت علاقة الشيخ عبدالرحمن بن يوسف بمنطقة الجوف منذ سنة 1355هـ وبالقريات منذ سنة 1357هـ؛ في وقتها كان مقر الإمارة بقرية كاف فأسهم ابن يوسف في عملية اختيار الموضع البديل لمقر الإمارة وعملية نقل الإمارة إليه، كما كان ابن يوسف شاهداً بل ومشاركاً في عمليات اختيار موضع وأعمال بناء قصر الإمارة في كل من : النبك أبو نخلة (القريات حالياً) والحديثة والعيساوية وحقل والبير (بئر ابن هرماس).
عُيِّن الشيخ عبد الرحمن بن يوسف سكرتيراً للجنة الدائمة المختصة بمشكلات الحدود السعودية مع كل من العراق وشرقي الأردن خلال فترة ترؤس الأمير عبد العزيز السديري لتلك - اللجنتين: لجنة الحدود السعودية العراقية (1357 - 1368هـ)، ولجنة الحدود السعودية الأردنية (1357 - 1375هـ).
وبعدما نشبت الثورة الفلسطينية سنة 1355هـ شهدت القريات تدفق العديد من الفلسطينيين الذين استقروا فيها أو عبروها إلى مناطق أخرى، ومما يذكر هنا أن الشيخ عبد الرحمن بن يوسف سافر من القريات إلى فلسطين سنة 1361هـ.
كما التقى الشيخ عبد الرحمن بن يوسف بقائد الجيش العربي الفريق جون كلوب (أبو حنيك) أكثر من مرة خلال تلك الفترة، وكان ابن يوسف ينوب عن مفتش الحدود الشمالية الغربية في الإشراف على دخول الحجاج والمعتمرين، وكذلك التجار والقوافل والسيارات القادمة من تركيا وسوريا مروراً بشرقي الأردن، والقادمة من شمالي أفريقيا مروراً بمصر، عبر المنافذ الحدودية في المنطقة الممتدة فيما بين ما يعرف اليوم بمحافظة طريف في أقصى الشمال الشرقي حتى أقصى الشمال الغربي عند محافظة حقل.
وكان الشيخ عبد الرحمن بن يوسف شاهد عيان على زيارة جلالة الملك سعود بن عبد لعزيز - رحمه الله - للقريات سنة 1373هـ، في جولته التفقدية لأحوال الرعية خلال السنة الأولى من توليه الحكم، كما كان شاهداً ومشاركاً في مشروعات المنطقة الأهلية والحكومية كصندوق البر والإحسان ومشروع إنعاش البادية والجمعية التعاونية متعددة الأغراض ومدرسة الأيتام للبنين ومدرسة القريات للبنات، وكان - أيضاً - من المبادرين إلى أعمال الزراعة في القريات، ونال بستان ابن يوسف في القريات شهرة كبيرة شجع الأهالي على الزراعة وإنشاء البساتين.
والشيخ عبد الرحمن بن يوسف هو أول من حصل على رخصة قيادة رسمية من القريات بتاريخ 5 محرم 1373هـ، كما يعد من الأوائل الذين سافروا بالطائرة على رحلة القريات - الرياض ورحلة القريات - جدة.
كان - رحمه الله - يحب القنص ومولعاً باقتناء الطيور، وقام بإهداء بعض الصقور للملك فيصل والملك خالد والملك فهد - رحمهم الله جميعاً -، ومن أشهر طيوره (قرناس الأرقط).
توفي الشيخ عبد الرحمن بن يوسف - رحمه الله - في يوم الأربعاء 29 جمادى الآخرة 1421هـ، الموافق 27 سبتمبر 2000م، ولعل من الواجب إطلاق اسمه على معلم حضاري من معالم القريات أو مركز ثقافي من مراكزها أو أحد شوارعها الرئيسية تخليداً لاسمه وتقديراً لجهوده، علمًا بأنه يوجد في محافظة القريات حاليًا مخطط معروف محليًا باسم (مخطط اليوسف) نسبة إلى الشيخ عبد الرحمن بن يوسف - رحمه الله تعالى -.
** **
- نايف علي السنيد الشراري