د. عبدالحق عزوزي
اختتمت دول مجموعة السبع اجتماعها المقام في مدينة ليفربول الإنكليزية، بإصدار تحذيرات لكل من إيران وروسيا. وذكرت وزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس، التي تتولى بلادها حالياً رئاسة مجموعة السبع، أن المفاوضات التي استؤنفت لإنقاذ الاتفاق النووي الإيراني هي «الفرصة الأخيرة أمام إيران للمجيء إلى طاولة المفاوضات مع حل جدي لهذه المشكلة». وشددت على أنه «لا يزال هناك وقت لإيران كي تأتي وتقبل هذا الاتفاق» لكن «هذه هي الفرصة الأخيرة» وحثت طهران على تقديم «اقتراح جدي». وقد استؤنفت المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة بوساطة من الأوروبيين خصوصاً، في نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر في فيينا في محاولة لإنقاذ الاتفاق النووي المبرم عام 2015 والهادف لمنع الجمهورية الإسلامية من امتلاك السلاح الذري. وتهدف محادثات فيينا إلى إحياء الاتفاق المبرم بين إيران وست قوى كبرى (الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، روسيا، الصين، وألمانيا) عام 2015 بشأن برنامج طهران النووي، بعد أعوام من التوتر والمفاوضات الشاقة.
كما حذرت دول مجموعة السبع روسيا من أي اجتياح لأوكرانيا... وبحسب ليز تراس فإن اجتماع وزراء خارجية مجموعة السبع عبر عن جبهة موحدة في مواجهة موسكو التي يتهمها الغربيون منذ أسابيع بالتحضير لاجتياح محتمل لأوكرانيا على الرغم من نفي الكرملين ذلك.
وقالت ليز تراس إن اجتماع ليفربول أظهر «الصوت الموحد لدول مجموعة السبع التي تمثل 50 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي العالمي وهو واضح جدا» بأنه «ستكون هناك عواقب هائلة على روسيا في حال غزو أوكرانيا».
ويخشى الأوكرانيون الذين يقطنون قرب الحدود مع روسيا أن يتكرر سيناريو الاشتباكات العسكرية والقصف الذي حدث قبل سنوات مع الانفصاليين الروس. فقد دمر هذا النزاع جنوب مدينة أفديفكا الصناعية الأوكرانية... وروسيا حشدت أكثر من 94 ألف جندي بالقرب من الحدود الأوكرانية، وربما تستعد لهجوم عسكري واسع النطاق في نهاية يناير/ كانون الثاني حسب بعض التقارير الاستخباراتية.
فأوكرانيا وحلفاؤها في حلف شمال الأطلسي يضربون ألف حساب لتحركات القوات الروسية بالقرب من الحدود الأوكرانية، وتثير المخاوف من تحول الصراع إلى حرب مفتوحة. وأوكرانيا هي الدولة الفقيرة في أوروبا الشرقية التي تمزقها منذ 2014 حرب بين كييف والانفصاليين الموالين لروسيا في الشرق. وتتهم كييف روسيا بدعم الانفصاليين. وأودى النزاع بحياة أكثر من 13 ألف شخص.
والمعادلة في هاته المشكلة بسيطة: روسيا تقول إنها لا تريد أية مواجهة عسكرية مع أوكرانيا مقابل امتناع حلف الشمال الأطلسي من التواجد في حدودها؛ بمعنى أنها تدعو إلى «ضمانات أمنية» وتأكيدات على أن حلف شمال الأطلسي لن يستمر في التوسع شرقاً خاصة مع تقديم أوكرانيا طلباً للانضمام إلى الحلف. أما كييف فإنها ترفض التخلي عن سعيها للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي وهو أمر تقدمت بطلب من أجله منذ سنة 2008 ولم يبت فيه بعد.
ونحن نعلم أن الانضمام إلى حلف الناتو، يفرض على دول الحلف الأخرى بقيادة الولايات المتحدة، التدخل عسكرياً للدفاع عن أوكرانيا في حال حدوث أي عدوان؛ زد على ذلك أن هذا الانضمام سيرافقه بلا أدنى شك نشر وحدات عسكرية وقواعد وأسلحة في الحدود مع روسيا.
ومن هنا مجموعة الضغوطات الدبلوماسية ضد روسيا والاجتماعات لتخفيف النزاع: فالقضية كانت في صلب محادثة عبر الفيديو استمرت ساعتين بين الرئيسين الأمريكي والروسي لكنها لم تفض إلى تخفيف التوتر على الرغم من أن كلا الجانبين أشارا إلى محادثات مفيدة؛ كما تلقّت كييف دعما من المستشار الألماني الجديد أولاف شولتس الذي هدد بـ»عواقب» على خط أنابيب الغاز «نورد ستريم 2» المثير للجدل الذي يربط روسيا بألمانيا، في حالة حدوث غزو.
هناك تحاليل تقول بأن روسيا لا يمكنها أن تتحول إلى امبراطورية بدون مد نفوذها إلى أوكرانيا، كما أن احتمال اندلاع حرب أوروبية بلغ ذروته في ظل التصعيدات الحالية ولكن أظن أن أي تدخل مسلح في أوكرانيا سيدفع الاقتصاد الروسي إلى حافة الهاوية، هذا من جهة؛ ومن جهة أخرى فأوروبا ليس من مصلحتها الدخول في حرب مفتوحة ومن هنا التنازلات التي يمكن أن يعطيها طرفا النزاع في الفترة المقبلة.