محمد الباز
في العام 2008، وفي خضم الأزمة المالية العالمية التي اجتاحت العالم آنذاك، كانت إحدى شركاتنا تعاني من أزمة كبيرة في السيولة النقدية؛ بسبب تراجع المبيعات وعدم استقرار الأوضاع في السوق، وفي ظل تلك الأوضاع المعقدة كان من الصعب علينا اتخاذ القرار الاستراتيجي المناسب لحل مشكلة التراجع وتوفير السيولة اللازمة، حينها توجب علينا الاستعانة بأحد الخبراء المتخصصين للحصول الاستشارة، وإيجاد بديل استراتيجي ملائم للخروج من هذه المشكلة.
لقد كانت تلك الشركة تنمو بشكل سريع قبل تغير أوضاع السوق؛ حتى أصبح لدينا 8 خطوط إنتاج رئيسية داخل الشركة في وقت قياسي، وعندما واجهتنا تلك الأزمة، أشار علينا الخبير بما لم نكن نتوقعه؛ لقد أخبرنا بأنه يتوجب علينا إغلاق 4 من خطوط الإنتاج الرئيسية في الشركة، ومن ثم تصعيد خط الإنتاج الأخير ليصبح في مقدمة الخطوط من حيث الأهمية والاستثمار، وبالفعل كان هذا هو البديل الاستراتيجي المناسب الذي مكننا من تخطي الأزمة، والعبور بالشركة إلى بر الأمان.
الآن لا بد أنك تتساءل، كيف يُمكن تصعيد أقل الخطوط من حيث الأهمية؛ ليصبح رقم واحد في الشركة، ولماذا توجب علينا الاستغناء على 4 من الأقسام المهمة داخل الشركة!
الإجابة ببساطة تكمن في البدائل الاستراتيجية، ويُشير مفهوم البدائل الاستراتيجية (Alternative Strategies) إلى الخيارات التي تُمَّكن الشركات من الحفاظ على ميزاتها التنافسية أو الحفاظ على وجودها، وتشمل العديد من القرارات المختلفة مثل التوسع أو الثبات على الوضع الراهن في الشركة دون تغيير أو التراجع والانكماش أو تصفية الشركة.
وتنحصر البدائل الاستراتيجية في ثلاثة أنواع رئيسية:
- استراتيجيات الاستقرار.
- استراتيجيات النمو والتوسع.
- استراتيجية الانكماش.
وبداخل كل نوع من الأنواع الثلاثة عدد من الاستراتيجيات المختلفة التي يجب أن تدرسها الشركة جيدًا، على سبيل المثال قد تختار إحدى الشركات الدخول في استثمارات صغيرة ذات عائد قليل ولكنها آمنة، في حين تقرر أخرى الدخول في الاستثمارات الكبيرة المحفوفة بالمخاطر؛ كي تجلب لها عوائد كبيرة، هذا كله في النهاية يرجع إلى البدائل الاستراتيجية التي تقررها الشركة وتراها مناسبة.
لكن الأهم من ذلك هو أن امتلاك البدائل الاستراتيجية المناسبة بمثابة طوق النجاة عندما تمر الشركة بأزمات داخلية أو خارجية على غرار ما حدث معنا؛ ففي كثير من الأحيان تواجه الشركات أزمات مختلفة، مثل تدهور أحد منتجاتها أو تدهور الصناعة التي تعمل فيها ككل، أو أزمات اقتصادية حادة أو مشاكل على مستوى نموذج العمل أو غير ذلك، في كل تلك الحالات إذا لم تكن الشركة لديها القدرة على التحرك الاستراتيجي في الاتجاه الصحيح؛ سوف ينتهي بها الحال إلى الفشل والخسارة، وإن شئت نقّب في تاريخ فشل الشركات حول العالم وستجد العديد من الأمثلة -التي لا يسعني ذكرها الآن- حول التحركات الاستراتيجية الخاطئة التي كلفت الشركات الكثير، وأودت بها إلى الفشل.
والقرار باختيار أحد البدائل الاستراتيجية دون الآخر هو القرار الاستراتيجي، وهذا القرار -على أهميته الكبيرة- فإنه يُعد من أصعب المهام التي يتعين علينا كمديرين تنفيذيين أن نقرره؛ لأن كل شركة لديها عدد محدود من البدائل الاستراتيجية، ويتقلص هذا العدد إذا ما نظرنا إلى هذا البديل من حيث إمكانية التطبيق الفعلي وقدراتها على تطبيقه.
من هنا ينبغي على الشركة أن تدرس كل تحرك استراتيجي بناء على ما تمتلكه من معطيات وموارد متاحة؛ لأنك ببساطة إن كنت ترغب في النمو، ولا تمتلك آليات هذا النمو ستنتهي سريعًا جدًا، وهذا يدل على أنه ربما قرار استراتيجي خاطئ يكلف الشركة وجودها من الأساس.
والآن وفي ظل ما نمر به من أزمة عالمية على مستوى سلاسل الإمداد، ينبغي على الشركات أن تكون مستعدة دائمًا بعدد من الخيارات الاستراتيجية التي تناسبها للخروج من هذه الأزمة؛ وإذا تعذر عليها الأمر، ينبغي عليها الاستعانة بخبير متخصص ليقرر التحرك الصحيح للشركة في ظل هذا الوضع الضبابي؛ خاصة أنه ليس من المتوقع أن تنفرج هذه الأزمة على المدى القريب.