في مساء هاديء اقترحت علي ابنتي مشاهدة فيلم «كفر ناحوم»، وهو فيلم لبناني يتحدث عن «المشردين» بسبب الفقر أو الحروب أو التهجير أو كل تلك الأسباب مجتمعة.
المخرجة المبدعة حقا «نادين لبكي» لم تستعن بممثلين ذوي شهرة، بل استعانت بالمشردين أنفسهم ليمثلوا نمط حياتهم المأساوي! وبطل الفيلم هو اللاجيء السوري في لبنان «زين الرافعي»، الفتى البالغ من العمر 12 عاما الذي قام بدور «زين الحاج» في الفيلم، والذي يقيم دعوى قضائية ضد والديه بأنهم «خلفوه».
تسابقت على هذا الفيلم الشركات الأمريكية والغربية الأخرى للتوزيع في كل أنحاء العالم. وقد حقق أكبر دخل لفيلم عربي على الإطلاق، وفاز بجائزة السعفة الذهبية لمهرجان كان السينمائي، وحظيت مخرجته بثناء خاص وكذلك الفتى زين الرافعي على أدائه «الشبيه بالأفلام الوثائقية»، وحظي الفيلم بتصفيق حار من الجمهور لمدة 15 دقيقة متواصلة عندما تم عرضه لأول مرة. ورشح أيضا لجائزة الأوسكار كأفضل فيلم بلغة أجنبية في حفل توزيع «جوائز الأوسكار الحادي والتسعون»، بالإضافة لجوائز أخرى.
لن أدخل بتفاصيل الفيلم الذي جعلني أتسمر أمام التلفاز من بدايته حتى نهايته، كي أتيح الفرصة لمن لم يشاهده الاستمتاع بالفلم دون مؤثرات مسبقة. ولكن الفلم وبقدر ما هو مأساوي وخنقتني العَبْرة طوال مشاهدتي له، إلا أنه قد انتابني شعور بالانتصار والسعادة البالغة في وجداني بعد نهايته. وذلك للأسباب التالية:
أولاً: أن المخرج «إمرأة عربية لبنانية» استطاعت أن تكتسب هي وطفل لاجيء شهرة عالمية! وهو ما يبرز المقدرة الإبداعية العظيمة لدى المرأة والطفل العرب، إذا ما توفرت لهم الظروف المناسبة.
ثانياً: نجاح العمل السينمائي بهذا المقدار يؤسس لمدرسة «واقعية» جديدة، ستكتسح باعتقادي الفن السينمائي العالمي. وتنتهي السينما الفارغة من المحتوى، التي تعتمد مقولة «الفن للفن» وليس للمجتمع البشري! وتسقط أفلام «غسيل المخ» وتمجيد البطل الأسطوري الفرد، وما إلى ذلك من ترهات. بل إن الأمر سينسحب على المسرح والأدب والفن التشكيلي والموسيقى ..الخ.
ثالثاً: المحاكمة التي طالب بها ابن الثانية عشرة لوالديه لا تخصهما وحسب، إنما هي دعوى ضد كل العالم المبني على الظلم وامتهان الإنسان واستعباده.
رابعاً: من خلال هذا العمل «إني أرى رؤوساً جمة قد أينعت»، وانبثق الوعي الثائر فيها، وجيل جديد يبشر بتغيير لا رجعة فيه.
** **
- د. عادل العلي