حاورها - جابر محمد مدخلي:
الموهبة طرف أساس في علاج الخمول المعرفي لأجيالنا الحاضرة والمستقبلية، وتحطيم تلك القيود الاجتماعية والظهور من خلال هذه النافذة العظيمة التي خُلِقت فينا لترينا العالم بوجهه، وملامحه.. هذا الجزء الخفي من المؤكد أنه لا يملك قدرة كبيرة أن يظل في الخفاء طوال العمر؛ ولعل هذا ما أرادت قوله لنا طفلة في العاشرة من عمرها اسمها: الريم محمد البشيّر التي سمحت لهذا الكائن المتحرك في عقلها وقدراتها أن يقول قولته ليخرج من مكامنها مجموعة قصصية للأطفال والتي طبعها نادي الحدود الشمالية الأدبي نزولا عند رغبة الريم التي لا شك أنها نداء لنا بأننا أمام ريم أخرى في جميع بيوتنا شريطة أن نسعى لتهيئة كل الطقوس المناسبة لاستخراج خيرات مواهب أبنائنا وبناتنا.. واليوم تحديدا وبعد مضي مدة على إصدارها القصصي نلتقيها لنتحدث معها لا لإعادة ما سبق وقالته في حوارات صحفية، بل لنقول نحن معها إنها جاءت اليوم وقد رأت حلمها يتحقق في سن مبكرة، وتعرفت على قدراتها الخفية ولنرى ما الذي تطور وتجدد في حياتها منذ ذلك الإصدار حتى يومنا هذا.. فإلى نص الحوار:
* الطفولة مركز تربوي واكتشاف مهم: هل كانت طفولة الريم البشيّر بالنسبة لها مركزا للهو وتعلم الإبداع أم لاكتشاف المستقبل؟
- أراها مركز التعلم الممتع، فقد كنت أتعلم كيف أصنع قصة، لأني أحب القصص، وأتمنى كتابة مثل ما أقرأه، فكنت وقتها أسعد عندما ألعب دور الحكواتي في الفصل، وأحكي قصصي لزميلاتي، وأترقب ردود أفعالهن، وأقرأ ذلك على وجوههن.
ربما سأصوّب من إجابتي، فقد كنت ألهو بحق في تنويع تجاربي للهوايات المتنوعة، فقد تعلمت أساسيات الرسم حينها من أختي الكبرى، ربما لأرسم شخصيات لقصصي، لم أبلغ تلك المرحلة في الرسم، فتركت الرسم لوجود من يرسم بالنيابة عني، ولكني استفدت من تلك التجربة، وقد جربت أن أطور من فن الإلقاء في مشاركتي بالإذاعة المدرسية، وهذا ما بقي معي، لأنني أرى أن الحكواتي الذي داخلي يحتاج هذه المهارة أكثر من الرسم، فأعطيته هذه المساحة ليسعد، واستفدت من لعبة تلخيص الكتب التي وصلت بها إلى تمثيل منطقة الأحساء في مسابقة على مستوى بلدي، لأقرأ الكتاب، وأعرف زبدته، وأعود لأكتب ما أريد، فهل كانت تلك اللعب ميداناً للتعلم؟ ربما، وربما كنت بطريقة ما اكتشف مستقبلي بالتجربة، فقد ذهب الرسم مثلاً، وظلت القصة معي إلى اليوم، وما زالت فكرة اللعب وتعلم الجديد باقية معي، فأنا أعمل حالياً على إتقان اللغة الإنجليزية، لأقرأ بها في الوقت الحالي، فهل هذه اللعبة ستجعلني أكتب بها؟ ربما، وهل ستظل القصة معي فأكتبها بالإنجليزية مستقبلاً؟ لا أعلم، فيكفي أنني ما زلت استمتع، وسأترك النتيجة للمستقبل.
* بين الأب القاص والناقد تربّت الريم: فهل تعلمت من والدك فن القصة أم من طفولتك التي ألهمتك كتابا قصصيا جميلا للأطفال؟
- في الحقيقة يوم كنت أكتب قصتي الأولى لم أعلم أن والدي يكتب قصة، فقد أحببت القصص من مجلة ماجد وباسم، ولم يكتب والدي في مجلة ماجد لأعرفه، فقد كتبت القصص لمحاولة تقليد ما أقرأ حينها، ورغبتي بأن أكون بين كتاب المجلة، ومن هنا كانت بداياتي في كتابة القصص التي كان لأبي بالتأكيد دور مهم بعدها في تنمية هذه الموهبة وتطويرها بعد أن عرفت أنه يكتب قصصاً لا أعرفها مثل القصص القصيرة جدا جدا!.
* لماذا قصص للأطفال يا ريم وليست قصصا بالخيال؛ مع أن خيال الطفل واسع، وكنت في طفولة العاشرة المحاطة بالخيالات الجميلة حين أصدرت مجموعتك؟
- لقد جربت كتابة القصص الخيالية مثل قصة (الدب الغامض) مع صديقتي ليان، وقصص خيالية لا تكتمل، ربما هذا ما جعلني اختار القصص القريبة من تجربتي، ففي بعض الأحيان أكتب قصصاً من واقعي أضيف إليها بعض الأفكار الخيالية، وربما اخترت هذه القصص الثلاث لما تلامسه من واقعي وأرى نفسي وعائلتي وصديقاتي فيها، فقد كتبت فيها ما عشته من تجارب في العالم من حولي، ونظرتي عنه، ربما الخيال حاضر في حلم الريم بالطيران، ولكن الواقع دائماً أقوى بكثير، وهذا ما يجعل الخيال وسيلة لمعرفة الواقع والإيمان به.
* ما الحلم الذي تراه الريم بعد أن أصدرت «الغيمة»؟ وهل وصلت للمرحلة التي تستطيعين فيها تحقيق الأحلام الكبيرة والصعبة؟
- كنت أرى (الغيمة) حلمي الأكبر الذي أخذ خمس سنوات ليتحقق، ولكن بعد أن تحقق لم يعد كذلك، فالحياة مليئة بالأحلام الكبيرة، فقط ما علي الآن إلا أن أمشي في طريقي؛ لأجرب كل ما هو جديد، كأن أجرب أساليبَ جديدةً في الكتابة، أو كتابة ألون ثانية قريبة مما أقرأه في هذا العمر مثل أساليب كتابة مذكرات طالب الشيقة في دمج اليوميات بالأسلوب القصصي، وربما لفت نظري في حوارك إلى تفريطي في قصص الخيال، فمع أنني أعشق هذا اللون من القصص، وأكثرها تشويقا في مشاهدة الأفلام، لماذا لم تكن الأقرب إلى قلبي منذ كتبت؟! يبدو أن هذا ما يجب علي أن ألتفت إليه، وأسأل نفسي عنه، فكل ما اتطلع إليه هو أن أتعلم، واستكشف، وأقرأ؛ لأجل تحقيق مزيد من أحلامي.
- اعتقد ذلك؛ لأن تحقيقي لحلمي الكبير منذ الصغر، يبعث في روحي الأمل بأن أحقق الأصعب.
* برأيك ما الذي يحتاجه أطفالنا من بنات وأولاد ليكتشفوا مواهبهم المدفونة؟ وما الذي تنصحين به كل من هم في عمرك؟
- التجربة، ثم التجربة، ما كنت سأكتشف موهبتي في الكتابة لو لم أجرب محاكاة القصص التي كنت أقرأها.
الجرأة على إبراز موهبتك، فما كنت سأحلم بتحقيق حلمي، لولا جرأتي بالسؤال في ملتقى (جرّب)، السؤال الذي قادني لأصعد على مسرح جامعة الملك فيصل، وأكون بجوار بطل الخطابة (محمد القحطاني)، ولأصعد مسرح نادي الأحساء الأدبي،وأكون الموهبة التي تفتتح ملتقى جواثا، والإصرار على تحقيق حلمي حتى رأيت مجموعتي مطبوعة من نادي الحدود الشمالية.
ولا بد من التركيز دور العائلة في ذلك، وهو ما كنت أؤكد عليه في قصتي (الريم تصنع غيمتها) فللأسرة دور مهم في أن يكتشف الطفل موهبته، وذلك بمنحه الفرصة بأن يجرب ويستكشف العالم من حوله، والأخذ بيده.
من الضروري لِمن هم في عمري أن يؤمنوا بموهبتهم، وإن لم يكتشفوا موهبتهم بعد، فالوقت لم يفت، فما زالت لديهم الفرصة بأن يجربوا حتى يتعرفوا على موهبتهم التي تميزهم عن غيرهم والتي تمنحهم الفرصة للإبداع، وعليهم ألا يستسلموا لأي عقبة تقف في طريقهم، والإصرار على تحقيق أحلامهم.
* هل ترى الريم بأن الغد صار أسهل عليها من الأمس، وتحديداً بعدما تذوقت جمال الإبداعات المحققة، وطريق المستقبل الفاخر؟
- أرى أن ما حققته يُحفزني لأن أتعامل مع الأصعب، فنجاحي بتحقيق حلمي بعد أن خضت العديد من التحديات، علي أن أكمله، واستمر في طريق رحلتي ومواجهة تحدٍ جديد، فالرحلة جميلة بحجم الصعوبات التي تجدها في الطريق، فالسهل أقل متعة، والصعب أكثر حماسة في التعامل معه، ربما أكون مثالية في هذا القول، ولكن هذا ما وجدته في انتظار (الغيمة) سنوات، ولو انتظرت ضعف هذه المدة في تحقيق حلم جديد لم أتردد أبداً.
وأمام هذه التجليّات بهذا العُمر المبُكِّر والمُبارك لا يسع الثقافية إلا أن تتمنى لهذه الموهبة الوطنية الطموحة مزيدًا من المُنجزات وصعودًا للطموحات التي تليق بمستقبل أجيالنا الثقافية والإبداعية.