مسفر آل فطيح
يقال إن الخيال هو بحر لا ساحل له، يغوص فيه الكثير من الناس بالأحلام والأمنيات، وقد تذهب العديد من السنوات خلف الوهم والسراب الخادع والكثير من الأشياء التي لا تمت للمستقبل والواقع بأية صلة، خصوصًا بعد الثورة الإلكترونية التي طرأت على العالم وجعلته وكأنه مدينة واحدة. لا شك أن الذي يتحكم بمصير العالم هو الاقتصاد (المال)، لذلك كل الشركات العملاقة التي تقف خلف التكنولوجيا وكل ما يخص البرامج وأدوات التواصل قد تكون ضد صحة الإنسان وهدر وقته، والتركيز يتم على جني الأرباح ولا خلاف ولا جدال على ذلك.
إذا ركزنا على إيجابيات التقنية فلاشك إنها قفزة علمية تختصر الكثير من الوقت والجهد لطالب العلم والمعرفة وكل ما يفيد العقل والمجتمع بشكل عام، ولكن المشكلة التي يعاني منها المجتمع هي الاقتناع بثقافة وتوجه المشاهير السلبيين الذين لا يقدمون أي محتوى مفيد، أصبح تأثيرهم أقوى من الأسرة والبيئة التعليمية، والشركات التجارية تتعامل مع المشاهير بغرض الربح والتسويق للمنتج، ولاشك أن هناك طرفًا قد خسر وقته وجهده وصحته واهتمامه في هذه الصفقة، كانت الأسرة متماسكة ولها تأثير قوي ونظام حازم للأبناء وتوجيههم توجيهًا سليمًا، ولكن الثورة الإلكترونية قلبت الموازين وأصبح تأثيرها السلبي واضحًا.
أكثر ما يؤلم الإنسان في الحياه هو الغربة والابتعاد عن وطنه وأسرته، في الوقت الحالي يعيش الكثير من الناس حالة (الاغتراب الشخصي)، وهو نتيجة الدخول في العالم الافتراضي، فلاشك أنه يبتعد عن محيطه الأسري وينعزل تمامًا، والعالم الافتراضي يُشعر الإنسان بتحقيق أهداف وأحلام وهمية بعيدة كل البعد عن الواقع، وهي نتائج أولية للفشل على مستوى الحياة العلمية والأسرية والمادية عندما يصطدم بمرارة الواقع، لذلك نتائجه خطيرة جدًا تجعل الشخص مكتئبًا ومضطربًا بين السعادة اللحظية الوهمية والاكتئاب الشديد ومحاولة الهروب من المسؤوليات والأسرة والمجتمع.
أثبتت الدراسات الاجتماعية والنفسية بأن العالم الوهمي نتيجته هي الفشل الحتمي أمام الواقع، كنت في أحد الأماكن العامة وهو مركز ألعاب للأطفال وكان الغالبية منهم بنظارات طبية نتيجة ضعف البصر لديهم، وهذا أمر خطير جدًا، والذي يتحمَّل المسؤولية هم الآباء والأمهات، لاشك أن الأطفال أشقياء ولكنهم لا يدركون مصلحتهم الصحية والعلمية وهم في سن الطفولة، أصبحت الأم تحديدًا تفاوض الطفل بإعطائه أحد الأجهزة مقابل السكوت وعدم الإزعاج، وهذا يدمر الشبكية تدميرًا شبه كامل، لذلك عيادات العيون مزدحمة لعلاج آفة ومخاطر الأجهزة الإلكترونية. أحد الحلول هي الجلوس مع الأبناء وتنمية قدراتهم ومواهبهم واستغلال أوقات الفراغ في الأنشطة الثقافية والرياضية ومشاركتهم وإبعادهم عن العالم الافتراضي الذي يبعدهم عن محيطهم الاجتماعي وكأنهم غرباء.
في دولة الصين تسمى ألعاب الفيديو والألعاب الأخرى والإدمان على الأجهزة الإلكترونية والبرامج بـ(المخدرات الإلكترونية) و(الأفيون الروحي) كما نشرتها إحدى الصحف المعروفة نتيجة خطرها، وألزمت الصين الشركات التي تصنع الألعاب والأجهزة بوضع ساعة واحدة فقط يوميًا للقاصرين بممارسة الألعاب والدخول للأجهزة، ووضع نظام يعتمد تقنية التعرف على الوجه لعدم التحايل عليها.
منظمة الصحة العالمية أدرجت الإدمان على الألعاب الإلكترونية ضمن نسختها الأخيرة من دليل تصنيف الأمراض التي سيبدأ تطبيقها عام 2022، واعتبرت الإدمان عليها اضطرابًا صحيًا، حيث يضحي مدمنوها بأوقاتهم ومسؤولياتهم في سبيل البحث عن سعادة افتراضية قد يفتقدونها في حياتهم..
السعادة الحقيقية هي شعور الإنسان بالقرب من الله جل وعلا وعدم مقارنته بالآخرين، والقرب من أسرته وأصدقائه الإيجابيين، والابتعاد عن إدمان الأجهزة الإلكترونية. والأجيال اليافعة هم أمانة لدى ذويهم ويجب الصبر والحفاظ عليهم، وعامل الوقت له دور فعال في تغيير القناعات والوصول إلى مرحلة النضوج والشعور بالمسؤولية ومن ثم خدمة أنفسهم ومجتمعهم ووطنهم بالشكل الصحيح.