عبدالرحمن الحبيب
إذا كان المؤثرون الاجتماعيون في وسائل التواصل الاجتماعي قد أزاحوا نسبة كبيرة من مشاهير ونجوم الفن والأدب والصحافة، فها هم المؤثرون الافتراضيون يستعدون لإزاحة المؤثرين من البشر. وإذا كان المؤثرون البشر على شبكات التواصل الاجتماعي يتأخرون ويخطئون ويمرضون ويشيخون ويطالبون بزيادة أسعارهم، فإن المؤثرين الافتراضيين جاهزون على مدار الساعة طوع الأمر يقومون بالمشاركة في إنتاجهم على شبكات التواصل مثل انستجرام وفيسبوك وتيك توك.
المؤثر الافتراضي أو النموذج الافتراضي هو شخصية خيالية يتم إنشاؤها بواسطة الكمبيوتر لاستخدامه في التسويق عبر وسائل التواصل الاجتماعي كبديل عن «المؤثر» البشري، حيث تقوم فرق الذكاء الاصطناعي وخبراء التسويق بتصنيع شخصيات ذات هوية وسلوك ومزاج وصفات معينة لتحقيق أفضل جذب للمستهلكين. هذه الشخصيات تم ابتكارها من قبل فناني ثلاثي الأبعاد من خلال رسومات الكمبيوتر وتكنولوجيا التقاط الحركة لتشبه الأشخاص الحقيقيين في المواقف الواقعية، وفي بعض الحالات يصعب تفريقها عن البشر الطبيعيين..
الأساس في المؤثرين الاجتماعيين أنهم يسعون في أسلوب حياة معين إلى إلهام جماهير متنوعة من خلال النشر عن حياتهم اليومية واهتماماتهم وأذواقهم، والتعرف على أتباعهم عن قرب. لذا، تهدف الشركات إلى توظيف المؤثرين الافتراضيين للاستفادة منهم في الإعلانات والعلامات التجارية وتقلص التكاليف مقارنة بالمؤثرين البشر، إضافة إلى قلة أو عدم وجود قوانين أو إجراءات حول التعامل مع المؤثرين الافتراضيين، مع توقع إنفاق 15 مليار دولار على التسويق المؤثر في عام 2022. إلا أن من عيوبها عدم ارتياح الجمهور لمؤثرين وهميين يظهرون بمظهر البشر، مما يثير تساؤلات حول المصداقية والأصالة، فضلاً عن إمكانية حدوث مشكلات قانونية في المستقبل.
صحيح أن المؤثرين الافتراضيين هم «أشخاص» خياليون، لكنهم قد أصبحوا قوة حقيقية لا يستهان بها في صناعة التسويق المؤثر، مع تنامي المزيد منهم على انستجرام كل أسبوع والمزيد من العلامات التجارية تنتظر المشاركة في هذه الوسائل المستقبلية للتسويق. لقد وصل بالفعل بعض أشهر المؤثرين الافتراضيين إلى أكثر من مليون متابع حيث يتزايد عدد الناس في جميع أنحاء العالم بالافتتان بـ «حياتهم». ففي بريطانيا يجد 54% من جميع المستهلكين أن الكيانات الافتراضية جذابة على مستوى ما (ميجان موسلي، ديسمبر 2021).
التوجه للمؤثر الافتراضي يتنامى شيئاً فشيئاً، وقد بدأت بعض العلامات التجارية بالانغماس في هذه الطريقة المستقبلية للتسويق. أنشأت علامة السيارات العالمية رينو سفيرها الافتراضي الخاص بها «ليف» (Liv) الذي تم تقديمه إلينا في أحدث إعلان تلفزيوني مؤخراً.. مبادرة من المؤكد أن كثيرين سيكررونها قريبًا، مثل العلامة التجارية المشهورة ديور (Dior) المتخصصة بالسلع الفاخرة، وكذلك العلامات التجارية كوتش للحقائب (Coach)، وبالنسياغا (Balenciaga) للأحذية، وOUAI للتجمل.
الآن يظهر مؤثرون بأسماء وهويات ولهجات كالبشر الحقيقيين، وأشهر الشخصيات الخيالية ميكيلا سوزا (Miquela Sousa)، كان اسمها «ليل ميكيلا»، وهي نصف أمريكية برازيلية تبلغ من العمر 19 عامًا ولديها أكثر من 3 ملايين متابع على انستجرام. وهي تشارك جمهورها بأحدث الإطلالات العصرية بالإضافة إلى الموسيقى الجديدة التي أصدرتها، فقد شهد الصيف الفائت إصدارها أغنية فردية. وسبق أن تعاونت أيضًا مع سامسونج كجزء من حملة لعام 2019، وتعاونت مع عارضة الأزياء النجمة الواقعية بيلا حديد في إعلان كالفن كلاين، كما تم إدراجها ضمن «الأشخاص الأكثر تأثيرًا على الإنترنت» في صحيفة التايمز عام 2018.
أما التأثير والجاذبية في الأناقة فتمثله إيما (Imma) وهي عارضة أزياء تم إنشاؤها بواسطة شركة يابانية (Modeling Cafe)، وتمثل لمتابعيها الـ 355 ألفاً في انستجرام، جاذبية بسبب قصة شعرها الأنيقة وأزيائها المميزة، وظهرت في العديد من المقالات حول صعود المؤثرين الافتراضيين.
من أكثر المؤثرين الافتراضيين إثارة للجدل على الإنترنت اسمها برمودا (Bermuda) مع 280 ألف متابع، كانت تعتبر من المؤيدين لترامب ولكنها غيرت وجهة نظرها السياسية منذ فترة مثلما يتغير البشر! وقد تم إنشاؤها بواسطة Cain Intelligence، رواد التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي.
أول عارضة أزياء رقمية في العالم هي شودو غرام (Shudu Gram) ولها 219 ألف متابع، تم إنشاؤها في إبريل 2017 من قِبل مصور الأزياء كاميرون جيمس ويلسون، وظلت لفترة غير معروفة هل هي حقيقية أم افتراضية, ومظهرها مستمد إلى حد كبير من دمية باربي «أميرة جنوب إفريقيا»، مما أثار جدلًا حيث تم تصوير شودو على أنها امرأة سوداء من قبل رجل أبيض.
ربما يكون الأكثر غموضًا بين جميع النجوم المؤثرة الافتراضية هو بلاوكو (Blawko) بسبب الكمامة التي تغطي نصف وجهه. علاوة على ذلك، فقد أصبح شائعًا بين المستخدمين بسبب طبيعته المسترخية وعلاقته الغرامية المتقلبة مع برمودا. في الآونة الأخيرة، تم نقل شهرته إلى مستوى آخر حيث ظهر في عدد من المقابلات عبر الإنترنت، ولديه قناته الخاصة باليوتيوب، ولديه 144 ألف متابع في انستجرام.
ومن أطرفهم أيا ستيلا (Aya Stellar) وهي مسافرة بين النجوم ولا تزال على سفينة فضاء خفيفة، وهي في طريقها إلينا وستهبط على الأرض في فبراير القادم.. أنتجتها وكالة تسويق كوزمك يونيفيرس، وقد أصدرت بالفعل أغنية على يوتيوب.. إنه الزمن الافتراضي!