د.محمد بن محمود فجال
يحتفل العالم في كل عام باليوم العالمي للغة العربية، الذي يصادف الثامن عشر من ديسمبر؛ للحديث عن إسهامات اللغة العربية في الإرث الإنساني والثقافي.
إنّ كثيرًا من أبناء اللغة العربية يظنون أنّ لغتهم لا قيمة كبرى لها مقابل اللغات العالمية الأخرى، متذرعين بحجج لم يرددوها وينادوا بها إلا بسبب الانبهار بحضارات أصحاب تلك اللغات، وعدم توظيف هذا الانبهار توظيفًا إيجابيًّا كالمنافسة الشريفة، ومحاولة التغيير والتطوير، بل وظّف لجلد الذات فحسب.
إنّ مجرد هذا الاعتقاد الذي رسخ في أذهانهم وما يتبعه من تصرفات فعلية سلبية تجاه لغتهم اللغة العربية سيؤكد بدوره للباحثين في شؤون اللغات ضعف حيوية هذه اللغة، وسيؤدي إلى تصنيفها برتبة متأخرة، مما سيكون له آثار سلبية على اللغة العربية.
فقد أشار فريق الخبراء الخاص المعني باللغات المهددة بالاندثار في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) إلى أنّ من أحد عوامل التقييم العالمي لحيوية اللغة هو موقف أصحابها الأصليين منها، فقد يعدونها ضرورية لمجتمعهم وهويتهم، فيعززونها، ويعنون بها، وقد يخجلون منها، فيمتنعون عن تعزيزها، وقد يتفادون استخدامها.
فعندما تكون تصرفات هؤلاء الأفراد تجاه لغتهم إيجابية للغاية، ويعدونها لغةً ذات قيمة ثقافيّة أساسية، وأنها حيوية لمجتمعهم وهويتهم، فإنه يمكن اعتبارها رمزًا كبيرًا من رموز هوية هذه المجموعة، أما إذا اعتقد أصحابها أنها عائقٌ يحول دون التعبئة الاقتصادية والتكامل في المجتمع ويأخذون منها موقفًا سلبيًّا فقد حطّموا بأنفسهم قيمة لغتهم.
إضافة إلى أنّ عناية المسؤولين وأصحاب القرارات باللغة العربية ودعمها وفرض استعمالها في المؤسسات الحكومية والتعليمية، ومطالبة ترجمة الوثائق الإنجليزية إلى اللغة العربية كشرط لقبولها في الدوائر الحكومية، وهذا حاصل ولله الحمد كما في إدارة المرور على سبيل المثال، وغير ذلك من أساليب دعم اللغة العربية والعناية بها، فإنّ ارتفاع قيمتها سيفرض نفسه عالميًّا.
هذه المؤشرات وغيرها جدير بصنّاع القرار تسخيرها لصالح دعم مكانة اللغة العربية محليًّا وعالميًّا، إذ هي لغة أمّة كبيرة، ذات تراث علميّ ضخم، مؤسّسة حضارة ذهبية سابقة، وصاحبة كتاب سماويّ خطير الشأن، بلسان عربيّ مبين، أنْزل للبشرية أجمعين، منْ لدن خالق العالمين.
واعتراف منظمة الأمم المتحدة باللغة العربية لغةً رسميةً سادسةً كان بفضل أبناء هذه اللغة أنفسهم، وليس بفضل ممنوح من المنظمة، وستكون اللغة العربية في يوم من الأيام اللغة الأولى عالميًّا متى ما أراد أصحابها ذلك، فالذي خصّها لغةً لكتابه الكريم، هو أعلم بقدرتها على استيعاب الأفكار والعلوم والمخترعات، وهو أعلم بفضلها وعالميتها.
ولذلك فإنّ تخصيص يوم عالمي للاحتفال باللغة العربية، ما هو إلا لتأكيد وجودها وأهميتها إقليميًّا وعالميًّا، وبيان مكانتها للعالم أجمع في نفوس أصحابها أولاً، ثم في حاجة العالم أجمع إليها، وتنبيه للأجيال الإسلامية الناشئة إلى دورهم تجاه اللغة العربية، وأثر هذه العناية منهم في التوجهات العالمية في تقييم اللغة العربية.
وقد بذلت المملكة العربية السعودية جهودًا كبيرة في خدمة اللغة العربية، فأنشأت المراكز العلمية والجمعيات اللغوية، وأكدت هذه الأهمية في رؤية المملكة 2030 إذ هي من أهم مقومات الثقافة في المملكة العربية السعودية، فنسأل الله أن يحفظ خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهد الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز.