عبدالوهاب الفايز
عندما يحتفي الفنانون والفنانات التشكيليون السعوديون في يوم اللغة العربية لا بد أن تكون الاحتفالية متميزة وتليق بمكانة لغة القرآن الكريم. فالعلاقة بين اللغة العربية والفنان علاقة مشاركة وجدانية وفنية إبداعية، فاكتشاف جماليات اللغة العربية جعل الخط العربي عملا جماليا. يُنقل عن الفنان التشكيلي الإسباني بابلو بيكاسو قوله: (إن أقصى نقطة أردت الوصول إليها في فن الرسم وجدت أن الخط العربي قد سبقني إليها منذ أمد بعيد).
والجمعية السعودية للفنون التشكيلية (جسفت)، قدمت لأعضائها وداعميها وأصدقائها أمسية خاصة للاحتفاء بيوم اللغة العربية العالمي الذي حددت الأمم المتحدة موضوعه هذا العام بـ(اللغة العربية والتواصل الحضاري).
والأمم المتحدة تحتفي باللغة العربية في إطار التوجه لدعم وتعزيز تعدد اللغات وتعدد الثقافات في الأمم المتحدة، وبما أن العربية من اللغات الرسمية الست للأمم المتحدة تقرر الاحتفال باللغة العربية كل عام في (18 كانون الأول/ديسمبر) تخليدا لليوم الذي تقرر فيه إدخال اللغة العربية ضمن لغات العمل الرسمية في الأمم المتحدة. والغرض من هذا اليوم هو إذكاء الوعي بتاريخ اللغة وثقافتها وتطورها من خلال إعداد برنامج أنشطة وفعاليات خاصة.
في المعرض المقام لهذه الأمسية تسابق أغلب الفنانين والفنانات، من مختلف الأعمار، لتقديم تقديرهم واعتزازهم بلغتهم الأم عبر أعمالهم التي وظفت الخط لإضفاء الجمال والروعة لأعمالهم التشكيلية، مستلهمين منها أعمال جميلة مبدعة، وفعلا رأينا كيف يكون الخط العربي بجمالياته وفنونه الواسعة ومرونته على التشكل لغة مؤثرة في التواصل الحضاري.
لقد كانت أمسية أنيقة ونبيلة أوجدت الفرصة للفنانين والفنانات ليتسابقوا إلى العطاء وليساعدوا في المناسبات الوطنية. وأيضا تميزت هذه الأمسية بإطلاق الفرع السابع عشر للجمعية في محافظة الخرج لتواصل خدمة الفنانين السعوديين في جميع المناطق، وإطلاق هذا الفرع كان حدثا سعيدا خاصا للفنانين السعوديين أعضاء الجمعية إذ أكد أن جمعيتهم باقية ولن تغلق وسوف تواصل دورها تحت مظلة نظام الجمعيات الأهلية.
في السنوات الماضية عملت الجمعية كمؤسسة أهلية متخصصة ومتفرغة لخدمة الفن التشكيلي السعودي، والأجمل الأهم في تجربتها هو قدرة مجلس إدارتها بقيادة الدكتورة منال الرويشد، الفنانة التشكيلية والأكاديمية والتربوية المتميزة، وزملائها وزميلاتها في المجلس وفي الجمعية العمومية على تخطي الصعاب والتحديات التشغيلية والمالية، ففي قلة وضعف الدعم الحكومي اتجهت إلى تفعيل جهود التطوع، وبالفعل أقبل أغلب الأعضاء على دعم جمعيتهم، وساعدوها على الاستمرار والتوسع في خدماتها للفنانين السعوديين لكي يقدموا ويعرضوا أعمالهم.
بالنسبة للفنانين هذا جهد يشكر ويقدر، ولكن حجم الإنتاج الكبير للفنانين ما زال يبحث عن منافذ العرض والتسويق. الفنانون التشكيليون من حقهم الاستفادة من إبداعهم وإنتاجهم ماليا، وأيضًا من حق الوطن وجود منتجات فنية راقية فعالة في التواصل الحضاري، وفعالة في تدوين وإبراز حراك بلادنا وحيوية شعبها. (أعمالهم تتراكم في المستودعات مع الأسف!)، كما يعرف القريبون من همومهم وتطلعاتهم.
لقد ظلت الجمعية تقدم النموذج الإيجابي لعمل منشآت القطاع الأهلي حيث تعمل بأقل التكاليف وبأعظم الأثر، فنراها تبادر إلى المساهمة والتفاعل مع المناسبات الوطنية إيمانا من أعضائها بأهمية الفن وبضرورة تفعيل دوره في الحراك الوطني الإيجابي الذي نعيشه. كما تسعى إلى إقامة المعارض الفنية لكي تتيح لأعضائها تقديم أعمالهم، وفي شهور الحجر المنزلي لم تتأخر عن الواجب، فقد أطلقت مبادرتها الثقافية الفكرية (رواق جسفت) في موسمها الثاني، والتي تحتضن العديد من الأنشطة الثقافية.
والآن كل أسبوع لديها نشاط يجمع الفنانين ومحبي وعشاق الفنون التشكيلية في لقاء يحمل روح الصالون الأدبي، حتى تستمر في تحقيق أحد أهدافها الرئيسة وهو (المساهمة في تنمية الوعي الفني لدى المجتمع المحلي وتحقيق رؤية 2030)، وهذه المبادرة الثقافية الفنية تتضمن نشاطا فنيا منبريا لفنانين تشكيليين ومثقفين لهم صلة بالفن التشكيلي.
الجمعية تقدم نموذجا حيويا وإيجابيا لأهمية دور القطاع الأهلي في خدمة الثقافة والفنون والأدب، ومنذ سنوات بعيدة قامت الأندية الأدبية وجمعيات الثقافة والفنون وجمعيات الفنون التشكيلية بدور مساند للجهود الحكومية، وكان للقيادات الثقافية والأدبية دورهم في إضفاء الهيبة والسمعة الإيجابية على هذه المنشآت الثقافية والأدبية، وكانت تنظم الأنشطة المتنوعة التي خدمت وطورت حركة الإبداع والنشر، وساهمت الصحافة السعودية أيام ازدهار صفحاتها وملاحقها الأدبية والفنية بدعم الأندية والجمعيات الفنية، وهذا الدعم المعنوي من الصحافة ساعدها على القيام بدورها وتحقيق أهدافها الوطنية.
الآن نحن نتجه بقوة وبرؤية وطنية واضحة المعالم محددة الأهداف الاستراتيجية للنهوض بقطاع الثقافة والأدب والفنون، وهذا القطاع حيوي لمستقبلنا وهويتنا الوطنية، ودوره في صناعة الوعي وتحقيق الأمن والوعي الفكري والثقافي والاجتماعي ضروري في زمن الاختراق والغزو الفكري والثقافي للمجتمعات والشعوب. بناء منشآت القطاع الثالث الفكرية والفنية والثقافية ضروري للأمن الوطني، ويوازي في الاحتياج والأهمية بناء المؤسسات الأمنية السيادية.