قبل 40 سنة تقريباً قبل البث الفضائي وثورة الاتصالات كان الناس ينامون مبكرين يتغنون بحكمة شعبية قديمة: «نام بكير وأصحى بكير، شوف الصحة شو بتصير».
كانوا يقضون ليلهم مجتمعين أمام التلفزيون إلى أن يغلق بثه قبيل الساعة الحادية عشرة على أكثر تقدير بمشاهدة فيلم أو مصارعة حرة أو مسرحية، وهم يقهقهون بسعادة غامرة معتبرين أنه بلغ السيل الزبى في السهر!
وفي العقود الأخيرة ابتلينا بالسهر الذي لا طائل منه، السهر المذموم الذي أدى إلى ضياع الأوقات والواجبات والأعمال والعبادات كتأخير صلاة الفجر، والتأخر عن الدوام. وهو منهي عنه شرعاً وعقلاً، وله أضرار جمة صحية ونفسية وغيرها، وللأسف حياتنا المعاصرة تشجع عليه، ومعظمنا يعرفها لكنه يتجاهلها متبجحاً بما قاله الخيام في إحدى رباعياته:
ما أطال النوم عمراً وما
قصر في الأعمار طول السهر
وهناك سهر محمود حثت عليه الشريعة الإسلامية، فيه يخلو المسلم بنفسه وقت السحر يناجي مولاه، يدعوه ويبكي من خشيته ويستغفره، ويتصل به في صلاة الليل بلا واسطة، ويتلو قرآن الفجر فتسمو نفسه إلى الملكوت الأعلى؛ ليدخل في قوله تعالى: {كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}. وهذا أجمل السهر المحمود يليه السهر في مطالعة وتأليف الكتب.
إن الإنسان بحاجة ماسة إلى السهر المحمود فيه يخلو مع نفسه، يراجعها ويحاسبها ويحليها لكن لهذا السهر شروطاً: أولها النوم المبكر حتى يكون نشيطاً فيه.