خالد بن حمد المالك
أفهم أن السياسة تتغيَّر، وأن العلاقات بين الدول في حالة تجديد مستمر، وأن التعاون بين الدول تحكمه مستجدات، وأن هناك مصالح يدور في فلكها كل ما نراه من تجاذبات وجراحات وحروب بين الدول، غير أني لا أفهم غياب دور مجلس الأمن تجاه هذه الحروب، واكتفاءه بالنصائح والتنديد بالكلام في بيانات تتفق عليها دول (الفيتو) بتسويات بحسب مصالح كل دولة من دول استخدام حق النقض.
* *
لو أن مجلس الأمن كان عادلاً ومنصفًا ومتجردًا من الأهواء والمصالح الضيِّقة، ونظر إلى كل مشكلة من منظور إطفاء حرائق الحروب هنا وهناك، لما رأينا الإرهاب ينتشر كما تنتشر الحرائق، ولما أقدم المغامرون على الاستيلاء على السلطة في دول العالم الثالث، دون خوف من العقاب، ما يعني أن مجلس الأمن إذا ما ظل على ما هو عليه الآن فسوف تتسع دائرة الحروب لتصل (ربما) إلى دول لا زالت إلى اليوم محمية من التصدع، أو ظهور من يقوِّض أمنها واستقرارها.
* *
على أن ما ينذر من أخطار سباق الدول على اقتناء وصناعة السلاح المدمِّر، وكأن ما يجري في هذا السياق تمهيد لحروب قادمة بين الدول الكبرى، خصوصًا مع ظهور الصين منافسًا عسكريًا واقتصاديًا للولايات المتحدة الأمريكية التي بدأت وتيرة تطورها تضعف أمام تطور اقتصاديات دول كثيرة من الدول التي لم تكن كما هي عليه الآن قبل ثلاثة عقود، مع ترشيح عدد آخر للدخول في الترسانة النووية، أو النادي النووي، بما لا يمكن السيطرة على حماقات قياداتها، وبالتالي منع تكرر الحروب على شاكلة الحربين العالميتين الأولى والثانية.
* *
فإذا كانت هناك مخاوف، من أن يكون العالم على كف عفريت، بل أكثر من عفريت فإن دول العالم، وتحديدًا الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، معنية بالتطورات المتسارعة، والسباق المحموم في الشأن النووي، ولا بد من التدخل لحصر هذا النوع من الأسلحة المدمرة في أضيق الحدود، ومنع هذا السباق الذي سوف يدمِّر العالم بأكثر مما حدث في الحربين العالميتين، للتفوق الذي حصل في صناعة الأسلحة مقارنة بما كانت عليه من قبل.
* *
ومخاوف الناس لها ما يبررها، ولها تفسيرها، إذ لا أحد يشك بأن أي حرب قادمة لن تبقي ولن تذر، ولن تتم السيطرة عليها بسهولة في ظل امتلاك كل دولة من القدرات العسكرية ما يؤهلها لمواصلة القتال، خاصة وأن الدول لا تصرِّح بكل ما تملكه من أسلحة مدمِّرة، بما يغيِّب الحسابات والتقديرات لمن قبل بالمواجهة والتحدي دون أن تكون لديه القدرة على هزيمة خصمه، مما يطيل أمد هذه الحروب، ويهيئ أطرافاً أخرى حليفة لهذا الطرف أو ذاك للمشاركة بجحيم هذه الحروب.
* *
إن العالم الآن أمام فوهة بركان لإذكاء ما هو متوقَّع، وقد لا يتأخر كثيرًا، فالصراع بين الصين وأمريكا، وانغماس روسيا ووجودها ومشاركتها في أكثر من حرب - سوريا مثالاً - والخلاف الأخير بين بريطانيا وفرنسا، دعك من الصراعات في القرن الإفريقي، وشرق آسيا، وتنمّر إيران وتركيا وكوريا الشمالية، وما إلى ذلك مما لا عدد له ولا حصر.
* *
الدعوة إلى ضبط النفس، وهو المصطلح الذي يثار مع كل خلاف بين دولتين لم يعد كافيًا، المطلوب أكثر من ذلك بكثير، حتى لا تشعل الحروب، ونشتعل معها جميعًا، ولا نجد مفرًا منها.