تمثّل المشاركة المجتمعية أساساً لتطبيق نهج الرعاية الصحية الأولية، في سبيل تعزيز مؤشّرات الصحّة والتغذية، بما تمثله من أولوية تستجيب لمرامي التنمية المستدامة التي حدّدت مداها الزمني حتى العام 2030م. والأمل معقود بأن تحقق مؤشّرات أداء هذه المرامي نتائج أكثر فاعلية من سابقاتها، التي توالت منذ مؤتمر ألما آتا في العام 1978م، حتى إعلان هذه المرامي في العام 2015م. غير أن التوافق الدولي على هذه المرامي لا يغيّر من واقع أنّ التدخّلات المستندة إلى المجتمع في أي من بلدان العالم هي ما يمكن أن يصنع التغيير، نحو تجسيد مبدأ التكافل الاجتماعي لتحسين الحالة الصحيّة والتغذويّة، وتطبيق أنماط سلوكية سليمة تقي من المراضة، وتحمي المجتمع من أخطار الفاشيات والأوبئة، والجوائح. ولا شك أن الجائحة التي يشهدها العالم اليوم متمثّلة بالانتشار الهائل للفيروس المسبب لمرض كوفيد - 19 هي خير مثال على الحاجة إلى إعادة النظر في الآليّات الراهنة، نحو تمكين البلدان من وسائل الوقاية والتشخيص والعلاج، لتستجيب للوضع الطارئ بالمعياريّة المطلوبة.
إن من أكثر أسباب القلق الراهن هو ما يرتبط بعدم القدرة على السيطرة على الجائحة، وتزاحم الأولويّات التي تفضي إلى إهمال جملة من التدّخلات الحيويّة في حياتنا. وهنا، لا بد من التأكيد على أننا مسؤولون عن سلامة المجتمع، من خلال تمكين أفراده من اتّخاذ القرار المستنير بشأن الأولويّات الصحيّة، في ظل الجائحة، واستمرار العمل على تعزيز الحالتين الصحيّة والتغذويّة لجميع أفراد المجتمع، وبالتركيز على فئتي الأمّهات والأطفال باعتبارهما الفئتين الأكثر عرضة لأخطار، ولا شك أن تمرير المعرفة الصحيحة مسؤوليّة نتحمّلها جميعاً، نحو حماية أنفسنا وأهلينا من مخاطر الأمراض بأنواعها، وهنا أركّز على تلك الأمراض المرتبطة بالتغذية. ففي ظلّ الحاجة الملحّة لإعادة توجيه تدخّلاتنا، لا بد من تأييد الرجوع إلى الحالة الصحيّة الصحيحة، التي تجسّدها الثقافة التغذويّة المستندة إلى العودة إلى الأصل. ومع كثرة البدائل الغذائيّة تشح في حياتنا الاختيارات التغذويّة، ويصبح الإنسان أسيراً للتنافس الدعائي على منتجات تكثر في صناعتها المواد الحافظة، والملّونات، والكيماويّات، في حين يتم إهمال التراث المجتمعي من الغذاء الغني بالمكوّنات الدقيقة التي يحتاجها الجسم، وتمنحه الوقاية من الإصابة بالأمراض، أو تداعياتها، حيث يمثّل الغذاء الصحّي عاملاً مهمّاً في تحسين قدرة الجسم على مقاومة الأمراض.
إن تاريخنا الغذائي الغني يستحق منا التأمّل فيما نتناوله اليوم، نحو تعزيز الأنماط السلوكيّة السليمة، وتقديم القيمة الغذائيّة الفضلى، بعيداً عن البدائل المصنّعة، والمتحوّلة، والمستوردة. وبالتالي فإنّ العمل من خلال المجتمعات المحليّة على تمكين الأسر من تحديد خياراتها الأمثل في صحّة وتغذية أفرادها هو السبيل لتحسين مؤشّراتنا الصحيّة، وبما يشتمل على الرعاية الأوليّة، والثانويّة، والثالثيّة، في جميع مراحل الحياة، ومنذ التكوّن الجنيني الأول حتى نهاية العمر.
والله ولي الهداية والتوفيق.