منال الخميسي
الحياة على هذه الأرض تعرضنا للعديد من الاختبارات التي نحصل فيها على درجات ضئيلة عدة مرات لكننا لا نرسب بها بل نتخطاها، لا نحقق درجة الامتياز ولكننا تحررنا من أميتنا وجهلنا بالعديد من الحقائق وصفات من قابلنا من البشر كل تجربة كونت بداخلنا منهجاً خاصاً بنا اعتمدنا كل حرف فيه بأيام عمرنا منهجاً لم تطبع نتائجه على أوراق بل طبعت على وجوهنا تعابير وخطوط غائرة يعتبرها البعض علامات تقدم العمر ونعتبرها نحن علامات امتياز لأننا استطعنا أن نجتاز بل ونقفز على العديد من العثرات ليكون وصولنا إلى القمة مشرفا ولو من وجهة نظرنا.
نستطيع كذلك عرض تجاربنا ليتعلم منها الاخرون وهم يعدون لخوض اختباراتهم لا ليقوموا بتكرارها لان من حقهم المحاولة وخوض التجربة بالمساحة والوقت المناسب لهم كي يأتي اليوم الذي يتباهون فيه بكل ما قابلوا وبما اجتازوا حينها فقط سيقدرون الخطوط التي رسمت على وجوهنا قبلهم وهي ترسم اليوم على وجوههم!
حين يمرون بتجارب التعلق بالأماكن والأشياء التي وجدوها في سنوات عمرهم الأولى ثم يستيقظون يوما فلا يرونها ويكون عليهم القفز فوق تلك المشاعر القاتلة ومحاولة تقبل أنه لابد وأن يكملوا الحياة بدون ما اعتادوا عليه من أمن ومن أيدٍ حانيه لا يمكن أن تعوض، كانت تأخذ بأيديهم دائما إلى الصواب، سيعرفون أننا مررنا بمرارة تلك الأيام اجتزنا ذاك الاختبار بدرجات غاية في الضعف ولكنها مرت وحينها قررنا أن نكون عالمنا بأيدينا.
ما حصلنا عليه من علامات عالية في قاعات الدرس لم تكن يوما لتؤهلنا لاجتياز محن الحياة القاسية، اكتشفنا بعد مرور وقت طويل أننا وضعنا في روضات الأطفال طويلا نتدلل إلى أن فتحت لنا نوافذها فجأة ودون سابق انذار لنواجه عواصف ألقتنا هنا وهناك إلى أن تأقلمنا معها واستطعنا أن نواجهها ولو بعد حين.
اكتشفنا كذلك أن الحياة فصول دراسية دائمة يتناوب على اعطاء الدروس لنا فيها كل ما ومن نقابله كل لحظاتها رسائل تخبرنا بأنه لابد أن نكون منتبهين لكل تحديث في مناهج الحياة وطرق معيشتها وانه لابد أن نفهم سريعاً ماذا يطلب منا أن نفعل وماذا يجب علينا أن نعمل، وانه عندما نتعلم جيدا ونعي جيدا ونفهم جيدا يكون آن وقت الرحيل.
لذا لابد أن ندون في كل لحظة ماذا تعلمنا وكيف كانت خبراتنا بهذه الحياة.
ما قابلنا من فرح وألم كان لسبب وبسبب كل قطرة عرق أو دمع كانت لسبب وبسبب، لم نخلق على هذه الارض كي نمضي عابرين ولكننا وجدنا كي نكون مؤثرين عامرين معمرين لها، لم يخلق ربنا شيئا في هذا الكون عبثا.
حياة سوف نسأل عنها أمانة عظمت على السماوات والارض والجبال أن يحملنها وحملناها نحن.
كل منا كان له دور ولو لم يشعر به، وظيفة، منا من أداها على أكمل وجه ومنا من قصر وكان جهده فيها ضعيفا، ولكنه قدم شيئا خلقنا على هذه الأرض عشنا سنوات عمرنا نظن اننا تعلمنا الكثير وعرفنا الكثير لنكتشف دائما أن ما أوتينا الا علما قليلا، لذا لا يجب علينا التفاخر كثيرا بما تعلمنا ولكن علينا الزهو بأننا عشناه وخضنا تجاربه بأنفسنا في مراحل الطفولة قيل لنا تعلموا القراءة والكتابة كي تستطيعوا فهم الحياة لنكتشف انه يجب علينا بعدها ان ندرس علوما أكبر وأدق وأشمل كي نستطيع التعامل في مجتمعاتنا لنكتشف مجددا أننا فقط محونا أميتنا، ولكننا مازلنا نتعلم لم تكن سنوات الدراسة في الجامعة مؤهلة لنا كي نكون أسراً أو نجد أعمالاً تناسب ميولنا، اكتشفنا أننا في العشرينات من عمرنا نخرج للتو من غرف رياض الأطفال لعالم عظيم التغيرات متتابع الصدمات لم تنفعنا دروس الكتب التي حفظناها وكانت كلماتها مرتبة كي نضعها اجابات على أسئلة معلمينا فحسب كي يحققوا نتائج صورية بأن من درسوا لهم من الطلاب اجتازوها بنجاح، ومن ثم كان انجازا عظيما بالنسبة لهم أما نحن وبعد الفرحة الزائفة بالنجاح الدراسي افقنا على عالم آخر يحتاج منا أن نقدم له أوراق اعتمادنا من جديد كي يقبلنا ضمن الدارسين فيه، ولكن الاوراق هذه المرة تختلف عن ما قدمناه لمدارسنا تعاملات مع انواع عدة من البشر اجتياز لصعوبات وعثرات وفقد وتمسك تغلب على مشاعر غيرة وكراهية وفي بعض الأحيان تنمر وعنصرية لمن غادر مكانه وموطنه، محاولات تأقلم واستيعاب وتهدئة تجاه شركاء الحياة وصبر ومصادقة وتحمل تجاه أبناء كنا في يوم من الأيام نفعل مثلهم، وأكثر تعاملات مع أصدقاء وصبر على ابتلاء فرح بإنجاز وتفكير طويل في المحافظة على خارطة طريق وضعناها بعد عناء خيبات وفخر جهد وضجر يأس وأمل مشاعر في كل يوم تتغير تسجل في عقولنا تجارب قاسية، ولكنها كانت تستحق أن نعيشها خاصة ونحن ننظر إلى كثيرين حولنا لم يقدر لهم الخالق أن يعيشوها بحلاوتها ومرارتها مثلما عشناها.
تعلمنا أننا عندما نستفيق كل يوم ونتنفس هواءً جديدا نشكر خالقنا على انه منحنا فرصة جديدة في يوم جديد كي نجرب شيئا جديدا ونكتشف معنىً جديدا في هذه الحياة نستعرض ما مضى كي نتلافى الاخطاء لا كي نبكي عليها، نتذكر الصدمات كي نشعر بأننا كنا أقوياء لا لنحقد على من صدمنا أو تسبب في شق جرح غائر شفينا منه ولكنه مازال يترك غصة ونحن نتحدث عنه.
نتعلم أن الفراق أصل هذه الحياة فنجلس مع من نحب أطول الفترات ونصبر على السلوك والتصرفات لأنهم سوف يأتي يوم ونكون خيالا في أذهانهم فلنجعلهم يتذكرونه بابتسامة لا بألم ودموع، مهما طالت هذه الحياة فإنها قصيرة جدا ظنناها في يوم من الأيام أنها لا تجري كنا نتعجل الغد والمساء والصباح الآخر إلى أن وصلنا إلى امنيات بأن يطول اليوم والساعة والدقيقة والثانية مع من نحب، تعلمنا ان نجيد التمسك والتعلق بمن حرص على أن نكون بجانبه وكذلك نجيد التخلي عن من استخف بمشاعرنا ولم يقدرها.
تعلمنا أن كل من قابلنا من البشر يحمل عالما خاصا يضج بالمشاعر والسلوك والافعال تحتاج سنوات كي نعرفه ونتعامل معه، قدرنا جيدا مقولة آبائنا وأمهاتنا حين قالوا لنا أنتم مازلتم صغاراً ونحن نسألهم عن الخطوط والعلامات التي اكتست وجوههم فجأة ودون سابق انذار كانوا يقولون دائما غدا ستعرفون، أتى الغد ومنهم من غادر دون أن ينتظر ليستمع منا إلى كلمة كان لديكم الحق، اجتزتم اختبار الحياة بامتياز ولكن لم تنتظروا الاستمتاع بالنتائج تركتم الباب مفتوحا لمزيد من الدارسين ليتعرفوا على تجاربكم يتلافوا الكثير من الأخطاء ويضيفوا المزيد من الاستمتاع بخوض التجارب والاختبارات وربما الاستمتاع بالحياة ولو في يوم واحد جديد.