د. تنيضب الفايدي
الأمل (Hope) هو الرجاء، وهو ظن حصول ما فيه مسرة، فالأمل هو توقع حصول أسباب المسرات ومنها السعادة، فإن هذا التوقع أو الظن قد يحيا في نفس الإنسان وقد يموت، على حساب ما يلاقيه في حياته من مبشرات بحصول مظنونه أو غير ذلك، ولا يحيا الأمل في الإنسان إلا بروح تبعثه في نفسه، كما لا يحيا الجسد إلا بالروح تدب في أركانه، وروح الأمل هي التي تجعله حياً في النفس بالأسباب التي تبقي هذا الأمل حياً كالمبشرات التي تسره وتدفعه دائماً إلى الحركة والعمل، كما أنها تدفع عن نفس صاحبها كل الأسباب التي تميت الأمل في النفس، كالمتغيرات التي تدفعه إلى اليأس والقنوط. كما أن الأمل حالة واقعية موجبة تعتمد على الشعور بالنجاح، وطاقة موجهة نحو الهدف، والتخطيط لتحقيق هذا الهدف. وينمو الأمل في الإنسان منذ الطفولة، وكلما كبر يكبر أمله. ويعرف علم النفس بأنه «اتجاه انفعالي خاصيته السائدة تمني بلوغ هدف ما، مع فكرة أن التمني أو الترجي سوف يتحقق معطياً بذلك طابع المتعة للخبرة المعاشة». كما أنه حالة إيجابية لحفز الهمم التي تقوم على التبادل المستمد من الإحساس بالنجاح ويشمل مكونين هما مكون المقدرة وهي الطاقة الموجهة للهدف، والسبل وهي الطرق التي يتم من خلالها توجيه تلك الطاقة للوصول إلى الهدف. ووفقاً لمكون المقدرة ينبغي أن يكون لدى الشخص الدافع للتحرك باستمرار على الطريق نحو الهدف المصور، وضمن نظرية الأمل فإن الهدف الموجه هو الذي يكمن وراء هذه الحركة، ويشار إلى المقدرة أن الشخص لديه اعتقاد بأنه يمكن أن يبدأ الحركة والمحافظة عليها وكذلك الاستمرار في السبل لتحقيق هدف معين، والمقدرة تعمل على تحفيز الأفكار التي تظهر في كثير من الأحيان على شكل تأكيد الذات في عبارات مثل: «أعرف أنني أستطيع القيام بذلك»، أود أن أختتم هذه، وبالإضافة إلى ذلك فإن الهدف يتحقق بسبب نجاح المقدرة على التفكير الذي يتيح للفرد قناة بديلة من الدوافع الإيجابية وفتح السبل، والأمل «حالة من الحافز الإيجابي القائم على عملية تفاعلية مبنية على الإحساس بالنجاح، ويشتمل على مكونين هما المقدرة أي: الطاقة الموجهة للهدف والسبل والتخطيط لتحقيق الهدف». وإدراك الفرد بأن رغباته وأهدافه يمكن تحقيقها، يدفعه ذلك إلى الرغبة والمبادأة والإصرار ومواصلة الكفاح لتحقيق هذه الأهداف، مستخدماً في ذلك التخطيط وتوليد الأفكار، واتباع طرق ومسالك عملية للإنجاز من أجل تحقيق الأهداف،وتكون لدى الفرد قدرة عالية للأداء وتحرك قدرة الفرد قوة الإرادة والشعور بالمتعة.
وللأمل أثر كبير في إسعاد المسلم فإن من مصادر الأمن والنعيم والسكينة لدى المؤمن ما يغمر جوانحه من أمل، ذلك الشعاع الذي يلوح للإنسان في ظلمات الحياة فيضيئها له، وينير له المعالم ويهديه السبيل، ذلك هو الأمل الذي به تنمو شجرة الحياة، ويرتفع صرح العمران، ويذوق طعم السعادة، ويحس ببهجة الحياة، فالأمل يدفع الإنسان دائماً إلى العمل، وهو ضروري جداً في الحياة لتقدمها في كل المجالات، وهو طاقة يودعها الله في قلوب البشر لتحثهم على تعمير الكون.
ولو أن جيمس واط، وستيفنسون، وأديسون تطرّق اليأس إلى نفوسهم، بعد أن فشلت تجاربهم مئات المرات، ورماهم الناس بالشذوذ وغرابة الأطوار -إن لم يكن بالجنون- فكفوا عن بذل الجهد والوقت والمال، وألقوا سلاحهم.. لما كان هناك آلات وسفن بخارية، ولا سكك حديدية، ولا ضوء كهربائي، ولا تليفون، ولا فوتوغراف، ولا لاسلكي ولا بنسلين.. المثابر لا يتقهقر، ومعنى هذا أنه يتقدم.
ويظهر أثر الأمل أيضاً في النقاط التالية:
1-المسلم دائماً معتصم بالله سبحانه وتعالى ويعيش على أمل لا حد له، فهو يأمل الخير دائماً وأبداً وينظر إلى الحياة بوجه ضاحك، ويتقبل أحداثها بثغر باسم لا بوجه عبوس.
2-إذا اعتراه ألم أو مرض لم ينقطع أمله في العافية، فهو يتذكر قول الله تعالى: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} سورة الشعراء الآية (78-80).
3-إذا اقترف ذنباً لم ييأس من المغفرة، ومهما يكن ذنبه عظيماً فإن عفو الله أعظم كما قال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} سورة الزمر الآية (53).
4-إذا انتابه عسر أو كارثة انتظر اليسر وأمله لأنه يعلم أن مع العسر يسراً قال تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} سورة الشرح الآية (5، 6)، ورجا الله أن يأجره في مصيبته وأن يخلفه خيراً منها، كما قال تعالى: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}. سورة البقرة الآية (156-157).
5-إذا رأى الباطل يقوم في غفلة أهل الحق أيقن أن الباطل إلى زوال، وأن الحق إلى ظهور وانتصار، كما قال تعالى: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ}. سورة الأنبياء الآية (18).
6-وإذا دعا إلى الله وجاهد في سبيله كان واثقاً من نصر الله له، فالله - عز وجل - ينصر عباده المؤمنين قال تعالى: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ}. سورة غافر الآية (51، 52).
7-وإذا بلغ به الكبر عتياً وأدركته الشيخوخة أخذ يرجو ويأمل حياة أخرى فيها شباب بلا هرم، وحياة بلا موت، وسعادة بلا شقاء في {جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا. لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا}. سورة مريم الآية (61، 62).