أحمد المغلوث
في زمن القراءات قرأت مرة هذه الحكاية التي ما زالت حتى اليوم في الذاكرة والتي تعطي فكرة خلاَّقة عن أهمية الفنون الإبداعية وكيفية تشجيعها واستثمارها على نطاق واسع، وتروي الحكاية صاحبتها «جانين أصلان»، حيث تقول عن هدفها في الحياة فقالت السيدة أصلان: مررت ذات مساء بأحد المعارض الفنية فدخلت لأتسلى ووجدت نفسي أقف أمام لوحة لفتاة حسناء، بل حلوة كان فيها شيء يثير الدهشة، بل يأسر القلوب، وشعرت لحظتها بأنني لو اشتريت هذه اللوحة فسوف أكون أسعد إنسانة في هذا الوجود وخرجت من المعرض وفي نفسي رغبة جامحة وعزمي على فعل شيء. بعد سنة كنت قد ادخرت ما يساوي مائة جنيه فأرسلت هذا المبلغ إلى الفنانة صاحبة اللوحة وكنت قد احتفظت باسمها وعنوانها خلال وجودي في المعرض وقلت لها إذا كانت ترى المبلغ ثمناً كافياً للوحتها فإنه يسعدني أن أحصل عليها، واكتشفت أن الفنانة قد باعت اللوحة لإحدى المؤسسات. ولكنها تقديراً لما بذلته من جهد في توفيري كل شهر مبلغاً بسيطاً من مرتبي البسيط فلقد قرَّرت الفنانة أن تقوم بعمل نسخة مشابهة للوحة ولكن بمقاس مختلف وتقدمها لي مجاناً، ومنذ ذلك اليوم انعقدت بيني وبين الفنانة الكريمة علاقة ود. ومع الأيام توطدت علاقتنا جداً كان أساس ذلك التقدير والإعجاب المتبادلين وكسبت بصداقتها شيئاً كبيراً تنامى يوماً بعد يوم. ولكنني تعلَّمت أيضاً أن تقدير الأعمال الفنية وما يبدعه المبدعون في كل مجال يسهم على تحفيزهم على العطاء والفعل وبذل الجهد الكبير. وأن في الحياة أشياء جميلة يستطيع من خلالها الإنسان أن يختار منها الكثير ليقدمه للآخرين، وبخاصة أولئك الذي يبذلون جهداً ووقتاً في سبيل إنجاز أعمالهم ومع هذا يفاجئهم البعض بعدم التقدير أو الاهتمام أو يبخلون عليهم بكلمة بسيطة. تلك الأشياء لا تنحصر في الأعمال الفنية أو الإنجازات المختلفة ولكن في مختلف جوانب الحياة.
تذكرت هذه الحكاية عندما عدت من حفل جمعية البر بالأحساء التي احتفلت تحت رعاية صاحب السمو الأمير بدر بن محمد بن جلوي آل سعود بمناسبة مرور أربعة عقود على إنشائها وقدمت في نهاية الاحتفالية لوحة وثائقية للحظة تسلّم الأمير بدر درع تميز الجمعية من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -أمد الله - في عمره ومتعه بالصحة والعافية. لقد ضجت قاعة الشيخ عبد العزيز الجبر -رحمه الله - بالتصفيق الحار لشخصي المتواضع عندما ذكر اسمي مذيع الحفل وأنا أصعد درجات مسرح القاعة.. كانت لحظات سجّلتها ذاكرتي بشغف، بل مما ضاعف من سعادتي وفرحي واعتزازي إشادة سمو الأمير بدر -حفظه الله- باللوحة.وتنساب في ذاكرتي مواقف مشابهة شعرت فيها بأن العمل الجيد سوف يحظى بالتقدير والإكبار بداية عندما مشيت على السجادة الحمراء لأقوم بتسليم لوحة الملك فيصل لجلالته -رحمه الله - خلال افتتاحه مشروع الري والصرف عام 1391هج وهو يثني على عملي، وكذلك حدث عندما تشرَّفت بتقديم لوحة لجلالة الملك خالد -رحمه الله - عندما افتتح جامعة الملك فيصل عام 1396هج. وما حدث أيضاً عندما وقفت وجهاً لوجه أمام الملك فهد وبجانبه ولي عهده الملك عبدالله عندما كان ولياً للعهد وبجانبهما الأمير فيصل وهو يقدمني لهما -رحمهم الله جميعا.
وماذا بعد.. كثيرة هي المواقف التي شعرت فيها بالتقدير والتشجيع، فيكفي عندما تجول الأستاذ عبد الرؤوف خليل -رحمه الله - في معرضي بجدة، التفت لي قائلاً: سوف أشتري كامل المعرض (81 لوحة) لوحات وجداريات وكاريكاتير وأعمال على سعف النخيل، فبات كامل معرضي بجدة في متحف الطيبات.. اللَّهم لك الحمد والشكر.