معتصم باكراع
لا يفصلنا عن 2022 إلا أيام معدودات، عام جديد ينتظرنا وعام يكاد ينصرم بجميع أحداثه، ومفاجآته، السارة وغير السارة، هكذا هي الحياة لها جانبان، طرق متوازية، وأخرى متقاطعة نودّع تعرجاتها بالأمل، فالحياة لا تستقيم، بل نحن من يعطي الحياة قوامها.
السؤال الذي يتبادر في ذهنك: ماذا حققتُ في 2021 من إنجازات، وأهداف وخطط ومشاريع؟
الجواب: هل هناك مقياس لاحتواء الإنجازات ووضع أرقام لها لكي نشعر بالسعادة؟
مقاييس النجاح تختلف من شخص إلى آخر، ومن هدف إلى آخر، وحتى المقاييس قد لا تكون صحيحة بحكم أننا من وضعنا تصنيفها بناءً على مقياس تحقيق الذات الذي لن ينتهي أبداً طالما أننا أحياء، فالغايات تتجدد دائماً، والقناعات تختلف وتتطور، وحتى الأحلام تتغيّر، فأنت الآن تختلف عن بضع سنين، فلنقل خمس أو عشر التجربة الإنسانية مليئة بالاختلاف والتباين فنحن ما نفكر به، ولا نملك نفس التفكير دائماً.
إرهاق النفس بوضع معايير الكمال أو المثالية لا يغنيها عن كينونتها شيئاً، فالنفس لا تُقاس بأرقام أو إنجازات وإنما يُضاف لها ما تحققه لذاتك، لذلك السعي وراء الأشياء التي تستطيع تحقيقها مستمر ولن تحقق أحلامك مهما تعيش، بل إنك ستبنيها على نظام معين إلى أن تموت، فالحياة عبارة عن سعي مستمر تجاه ما تود تحقيقه لذلك لا تُحبط إذا لم تحقق غاية معينة خلال سنة، فالأعمال المستمرة أدومها، وليس الوقت هو العامل والمقياس الحقيقي لك، وإنما طريقة وآلية العمل فإن كنت مواظباً فستحصد النتائج مستقبلاً.
لا تربط نفسك بسنة معينة، أو موسم معين، لتثبت لنفسك بأنك تملك زمام الإنتاجية، فكما يقول أفلاطون (لا تطلب سرعة العمل، بل تجويده لأن الناس لا يسألونك في كم فرغت منه، بل ينظرون إلى إتقانه وجودة صنعه).
فهل إمكانياتك العقلية، والإدراكية، والوعي الذي تملكه، تستطيع أن تختزله في سنة وأن تحكم على نفسك بمعيار سنوي لجميع أهدافك التي كنت تسعى إليها، سأقول إنك ظلمت قدراتك أكثر من ذاتك.
وعلى الصعيد الآخر في حال نظرنا إلى الأشياء المعنوية التي نتمتع بها والتي تعطي الحياة جماليتها كالعائلة، والأصدقاء، والعلاقات الاجتماعية، ستجد أنك أضفت شيئاً لها إما بتقوية علاقتك أو باستمرار التسامح فيما بينكم أو تعزيز أواصر المحبة التي هيأت السبل الموصلة إلى أسباب السعادة، فليست الحياة دوامة من جدول المهام الذي لا ينتهي.
إنجازاتك التي لا تتعلّق بالأرقام قد تتفوّق على الأرقام مثل قراءة لكتاب طورك ورفع أداءك، فكرة نفذتها بإتقان، بادرة رائعة منك تجاه صديق، الصدقة التي بينك وبين ربك، الابتسامة الصباحية التي لا تفارقك، ممارستك للرياضة بعد انقطاع، إنقاص وزنك، تقبل نقد الآخرين، شجاعتك في موقف كنت دائماً متردداً بشأنه.
هناك إنجازات فعلاً لا ندركها، ولكنها تحدث فارقاً عظيماً ليست مرتبطة بأرقام وإنما بقناعاتك ومبادئك التي تمارسها كل يوم.
إنها الحياة يا عزيزي لا تخضع للمعايير التي نقولب بها أنفسنا في قوالب معينة، بل نتماهى بالحياة لتحقيق كينونتنا بها.