خالد بن حمد المالك
لأسباب أفهمها -لا أن أتفهمها- لاحظت أن قناة الجزيرة كانت في سباق متوافق زمنياً مع تصريحات المتحدث باسم تحالف دعم الشرعية في اليمن الأخيرة عن تطورات الحرب الأخيرة في اليمن، عبر لقاءات وبرامج وأخبار مكثفة كانت قناة الجزيرة تكرر تقديمها على مدار الساعة في محاولة -على ما يبدو- لصرف الأنظار عن الحقائق الدامغة لسلوك ميليشيات الحوثيين الإرهابية في اليمن، وكأن هذه القناة في احتفال بهيج بترويجها لتهديدات الحوثيين للمملكة، وما يقولونه عن انتصارات مزعومة على القوات الشرعية في الجوف وغير الجوف في مقابل الضربات الموجعة التي يتلقونها صباح مساء منذ أسابيع.
* *
بل إن قناة الجزيرة، ولامتصاص حدة الصدمة الموجعة لدى الحوثيين أمام الحقائق التي أعلن عنها العميد المالكي، وضمنها أن حزب الله اللبناني - وبالصوت والصورة- كان طرفاً في هذه الحرب، إلى جانب حرس إيران الثوري، وأن ما أفزع إيران والحوثي وحزب الله هو ما دعا (ربما) قناة الجزيرة لتكون المهدئ لهم، أو بمثابة من يشد من عزمهم، ويرفع من معنوياتهم أمام التغيير المتسارع في موازين الحرب.
* *
كنا نتوقع من هذه القناة أن تتماهى مع القيادة القطرية، بعد أن أظهرت دولة قطر استنكارها الشديد لقصف الحوثي المتكرر للمدنيين والأعيان المدنية في المملكة، وتضامنها مع المملكة ضد العدوان الحوثي في أكثر من موقف، مع تأكيد الدوحة على أن طريق الحل للحرب في اليمن يمر من خلال الحوار، وعبر الاتفاقيات المبرمة، فلماذا تغرد قناة الجزيرة خارج هذه القناعة القطرية الرسمية المقدرة لأمير الدولة الشيخ تميم بن حمد، فتحاول إبقاء النار مشتعلة بدلاً من إطفائها.
* *
وما مصلحة هذه القناة من تبني الخلافات في الدول العربية، وتحريك الشارع في أكثر من دولة لخلق الفوضى، كما تفعل حالياً في تعاملها مع الأوضاع في السودان وليبيا وتونس، وقبل ذلك مع مصر، وهو ما يعرض غياب الاستقرار والأمن والعيش المشترك في هذه الدول، وقد يكون سبباً في امتداده لدول عربية أخرى في ظل المخططات الإيرانية التوسعية في المنطقة.
* *
أنا هنا لا أتحدث عن دولة قطر وسمو أميرها، فقد طويت صفحة الخلافات بينها وبين الدول الأربع إلى الأبد، وأظهر قادتنا بما فيهم سمو أمير قطر بحكمتهم وبعد نظرهم، حرصهم على مصلحة شعوبهم، وأن المستفيد الأول والأخير في أي خلاف هو العدو الذي لا تخدم مصالحه أن تكون دولنا على قلب رجل واحد، وسياسة واحدة.
* *
إن ادعاء قناة الجزيرة بأنها قناة (الرأي والرأي الآخر) هي كذبة كبيرة مكشوفة، بدليل أن تعاملها المتعاطف مع الحوثيين هو تعامل مع مليشيات انقلابية، ولا يستقيم هذا التعامل التي تدعي قناة الجزيرة حياديته حين يكون مع ميليشيا مصنفة على أنها إرهابية، وأنها تنفذ أجندة إيرانية، ومدعومة بالسلاح والرجال من حزب الله اللبناني، وحرس إيران الثوري، وتواصل عدوانها بالمسيرات المفخخة والصواريخ البالستية التي تهرب إليها من إيران.
* *
لقد أسقطت قوات التحالف الحماية عن المواقع المدنية اليمنية التي تخزن فيها ميليشيا الحوثيين الطائرات المسيرة والصواريخ البالستية، وتتخذ من التجمعات السكنية دروعاً بشرية، كمطار صنعاء والملعب الرياضي والكهوف في صعدة وغيرها، ما أدى إلى القضاء على هذه الترسانة من الأسلحة، وعلى مقرات التدريب فيها، وتحييد الحوثيين من الاستمرار في التصعيد، دون الإضرار بالمدنيين، وهذا تكتيك جديد غير في معادلة الحرب، وأظهر أن المليشيات الإرهابية مخترقة، بدليل تسريب الصور والفيديوهات عن تورط عناصر من حزب إيران الثوري وحزب الله اللبناني ضمن منفذي الاعتداءات على المملكة مما أربك هذا الفكر الطائفي القذر.
* *
وكما قال المالكي: نسامح ولا ننسى، وإن غضبنا أوجعنا، وهذا ما تطبقه حالياً قوات التحالف، دون إسقاطها لمبدأ الحل السياسي، وهو ما يجب أن يفهمه كل إعلامي شريف، يحسن التقدير في تعامله مع هذه الحرب، وينظر إلى ما هو أبعد من ولاءات أجنبية خاسرة، وبالتالي فعليه عدم تجاهل الحقائق، أو أن يجمّل عن قصد خسائر هذا الحزب الطائفي الإرهابي، إما بغض النظر عنها، أو بالحديث عن مواز لها لإظهار الحياد الكاذب وبتغليب ما يُملى عليه على حساب الواقع.