د.محمد بن عبدالرحمن البشر
هذا عنوان كتاب ألفه القاضي أبو القاسم المحسن التنوخي الذي عاش في القرن الرابع الهجري، وكان ذلك القرن يزخر بالكثير من الأدباء والعلماء والشعراء، فقد عاصر المتنبي، وأبا العلاء المعري، والصولي، وأبا فرج الأصفهاني، وغيرهم كثير، وأخذ من بعضهم، وقد تربى في بيت علم وأدب وثقافة، فوالده كان قاضياً، وجده أيضاً، وكذلك ابنه أصبح قاضياً، وقد تعرض القاضي التنوخي للكثير من المحن ومن المصائب والظلم من بعض الحكام والوزراء، مثل الوزير أبي الفرج، والوزير أبي الحسن العباس، والوزير ابن بقية، والملك عضد الدولة الذي قربه وأدناه، فلما أفشى سره لأحد أصحابه ووصل إليه عاداه، فدعاه ذلك إلى تسطير بعض القصص والأحداث التي مرت به وبغيره في كتاب سماه: (الفرج بعد الشدة)، والحقيقة إن هذا الكتاب ليس الأول الذي يحمل هذا العنوان، فقد سبقه إلى ذلك عدد من الأدباء، والتنوخي يحرص على ذكر الأسانيد سواء فيما يتعلق بتفسير القرآن الكريم، أو ذكر الأحاديث النبوية، وكذلك القصص التي يوردها، ومع ذلك فإن على الإنسان أن يتوقف عند بعض ما يذكره في هذا الكتاب، لاسيما المتعلقة بالأحاديث النبوية، للتأكد من مدى صحتها، ويورد ويذكر قصصاً يصعب تصديقها، فهي أقرب إلى الأسطورة من الحقيقة، ولهذا فإن بعض ما يذكره فيما يتعلق ببعض الأحداث التاريخية يجب أن نتمهل قبل أخذها كحقيقة واقعة، ومن ذلك قوله أنه قابل المتنبي في الأحواز، وأنه سأله عن نسبه وعن لقبه.
وتنوخ القبيلة العربية التي ينتمي إليها المؤلف بالولاء أو بالأصل سيان بينهما، هي قبيلة عربية كريمة تعود في أصلها إلى لخم، وقد وصلوا إلى جنوب سوريا، والأردن، وشمال الجزيرة العربية، وشرق العراق، وقطنوا هناك، ومنهم الآن الدروز، وقبائل عربية كثيرة ما زالت موجودة في تلك البقاع، وهم الأنباط، ولم تكن اللغة العربية الفصحى بصفتها الحالية هي لغة التخاطب آنذاك، وقد عرفوا الحروف وكتبوا بها، وفي زمن الإمبراطورية الساسانية الفارسية التي كانت سائدة قبل الميلاد كان المناذرة اللخميون في حلف معهم، بينما الغساسنة في حلف مع الإمبراطورية الرومانية، وكان النابغة الذبياني الغطفاني شاعر البلاط عند النعمان بن المنذر، لكنه بعد أن قال قصيدته المشهورة والفاحشة في المتجردة أخت النعمان هرب فيما يبدو إلى الغساسنة، يمدحهم ويكون أحد شعراء بلاطهم، كما أن المتبني قد قال قصيدة في ذم بعض مناوئيه من العلويين وأعوانهم، ربما من اللخميين سكان البادية، فقال:
خُرّابِ بادِيَّةٍ غَرثى بُطونُهُمُ
مَكنُ الضِبابِ لَهُم زادٌ بِلا ثَمَنِ
أي إنهم يغزون لينهبوا وبطونهم خاوية، وإن بيض الضباب، جمع ضب، هو زادهم، أما أنا فلا أرى أن ذلك قدح، فقوت القوم من بيئتهم، وشظف العيش ليس عيباً.
سطر في كتابه الكثير من المحن التي مرت على الأنبياء والرسل، مثل آدم ونوح وإبراهيم ولوط ويعقوب ويوسف وموسى عليهم السلام، وكذلك ذكر القصص التي مرت بيونس وأيوب وعيسى ورسول الإسلام محمد - صلى الله عليهم وسلم -، وذكر أيضاً قصة أحد أنبياء بني إسرائيل واسمه دانيال، فقد رُمي على مجموعة من الأسود، لكن الله سخر له وأنجاه وفرج عنه بعد الشدة، فأصبحت الأسود تحت طوعه، وأخذ يسير على رؤوسها.
ويروي أن أحد الصالحين قد جاءه بلاء من أحد النافذين، وكان يخشاه ويخاف من مكره، فجاءه هاتف في الليل فقال له اقرأ سورة: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} فكان يقرؤوها كل ليلة في صلاته مع سورة {إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} فكفي شر ذلك الرجل، ويذكر المؤلف أنه حدث له مثل ذلك الرجل، فقرأها فأمات الله عدوه، ويذكر أن أحد الصالحين ألح عليه الغم، وضيق الصدر، وتعذر الأمر، حتى قنط، فكان يمشي ويقول:
أَرى المَوتَ لِمَن أَمسى
على الذُلِّ لَهُ أَصلَح
فسمع ذات ليلة هاتفاً يسمعه ولا يراه، يقول:
ألا يا أيها المرء الذي الهم به برح
إذا ضاق بك الأمر ففكر في ألم نشرح
فكان يقرؤها في صلاته، فشرح الله صدره، ويسر أمره، وأزال كربه، ويروى عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (اشتدي أزمة تنفرجي)، ولست متأكداً إن كان حديثاً، أو قولاً من أقوال علي رضي الله عنه.
هذا ما أمكن كتابته في هذا المقال، ولنا عودة إلى الكتاب لاختيار بعض مما فيه.