عبد العزيز الصقعبي
إلى:..
أحياناً أفكر بأكثر من شخص، أفكر بمجموعة، زملاء فصل دراسي مثلاً، ولكن ذاكرتي لا تسعفني باسترجاع أسمائهم أو أشكالهم، شيء متخيل، ولكن أحاول أن أتذكر موقف أو حدث، وحقيقة هنالك حدث لم أنساه مطلقاً، هو أشبه بعرض مسرحي من ثلاثة مشاهد، أتذكرها تماماً، لست فيه البطل بل أنتم، يامن أوجه إليهم رسالتي هذه، زملاء فصلي في الصف الخامس أو السادس في المرحلة الابتدائية، ربما لو امتلك أحدكم ذاكرة جيدة، سيتذكرني بلا شك، سيقول ذلك التلميذ الذي كتب قصة أُعجبنا بها كثيراً، فعلاً أنا كنت التلميذ، حكاية رددتها في أكثر من محفل، وكتبتها في أكثر من شهادة، بعد هذه السنوات، أكتب هذه الكلمات لأقول لكم «شكراً»، وهي كلمة بسيطة، ربما قلتها في ذلك اليوم، لن أبالغ ولكن بكل تأكيد لها أهميتها في حياتي، هي مشاهد بسيطة، المكان ثابت، فصل دراسي في أوائل السبعينات الميلادية، والأبطال مدرس متدرب، وأقصد بالمتدرب طالب الصف الأخير في معهد المعلمين الذي يقوم بالتدريب بالمدارس، حتى يكون معلماً مؤهلاً، ذلك المدرس طلب من جميع تلاميذ الفصل كتابة قصة، شيء يشبه مادة التعبير التي ندرسها، ولكن فضل أن نكتب حكاية، انتهي المشهد الأول، بالتحفيز على الكتابة وشحذ الخيال، أحببت أن أشير إلى أنها مسابقة، والجائزة كتاب، لا أذكر عنوانه لأنني لم أحصل عليه، أنا أحب الكتب، والمجلات المصورة، لذا فجميل أن أتخيل حكاية وأكتبها، ليكون المشهد الثاني من المسرحية، في اليوم الثاني، يأتي المدرس ويسأل عمن كتب حكاية، لم تحفز جميع التلاميذ هذه المسابقة، أنا وتلميذ آخر فقط شاركنا فيها، لذا طلب منا أن يقرأ كل واحد منا ما كتب على تلاميذ الفصل ليكونوا الحكم، قرأ زميل الفصل حكايته، وقرأت حكايتي، لا أذكرها الآن ولا أدري أين هي، أعجب الجميع بحكايتي، وتفاجأ جميع تلاميذ الفصل بتفضيل المعلم حكاية التلميذ الثاني ليأخذ الجائزة، وهم يرون أنني أنا أحق بذلك، انتهي المشهد الثاني، كنت أحلم بالحصول على الكتاب، ولكن أصبح لزميلي، لا بأس، ولكن هنالك المشهد الأخير، بعد مغادرة المدرس الفصل، احتج جميع التلاميذ على النتيجة، حتى التلميذ الفائز أعترف أن حكايتي أفضل، ولكن عرفنا فيما بعد أن ذلك الفائز قريباً لذلك المعلم، كان المشهد الثالث صاخباً، ولكن لم يغير النتيجة، على الرغم من أن بعض التلاميذ أخبروا مدرس اللغة العربية بالأمر، وأراد أحدهم أن يصعّدها لإدارة المدرسة، لكن قابت ذلك بهدوء، وقلت لهم يكفي أن الحكاية أعجبتكم، مضت سنوات ونسيت كل شيء، باستثناء حماستكم يا زملاء الفصل الخامس أو السادس الابتدائي، أذكر ذلك الموقف، وتلك الحماسة، لأكرر وأقول لكم شكراً، لأنني بعد كل هذه السنوات، لا أنتظر ناقدا أن يعجب بعملي، وإن كان ذلك جيداً، ولا أجعل ما أكتبه وسيلة للحصول على جائزة، المتلقي أو القارئ أو المستمع أو المشاهد هو الأهم، وبالذات لنا نحن الكتاب، القارئ لدينا هو الأهم، الحادثة أو كما وصفتها بمسرحية الثلاث مشاهد قد تكون عادية وتتكرر في كل مكان وزمان، وإن تغير الأبطال، ولكن مثل ذلك المدرس أصاب حين حفّز التلاميذ للتخيل وكتابة حكاية، كأنه يبحث في مزرعة عن بعض الأشجار المثمرة أو القابلة لأن تثمر، وأصاب حين جعل المحفز، الحصول على كتاب، للتشجيع على الكتابة والقراءة، وكان من المفترض أن يصيب لو منح المستحق، ولكن لماذا لا أقول إن ما كتبته بسيط جداً لدرجة وصل لجميع التلاميذ مباشرة، وما كتبه زميلي يحتاج إلى شيء من التفكير وتكرار القراءة، ربما يحدث ذلك، وهنا أقول يستحق الجائزة، ولكن في ذلك الزمن وتلك السن لم نصل لمرحلة الاختلاف، أذكر أن نص الزميل أكثر بساطة ولم يكن مقنعاً حتى للكاتب، الذي اعترف أن ما كتبته أفضل، لنتخيل أمرا آخر، سيأتي أحدهم، ويكون كاتباً كبيراً، ويقول أنا ذلك التلميذ، هل سأعترف أنني كنت على خطأ بكل ما رددته من أقوال وشهادات، وأقول أنت تستحق، ربما ذلك الكتاب الذي حصل عليه محفز لأن يقرأ ثم يكتب، وكذا كان الأمر لي فلكم زملائي التلاميذ كل تحية وتقدير وإن كنت للأسف لا أتذكركم الآن.