بدر بن عبدالمحسن المقحم
إن المتابع لمسار التفاوض النووي بين الدول الخمس بالإضافة إلى ألمانيا، وإيران، يلاحظ أن هناك طرقاً متعرجة لهذه المفاوضات منذ بدايتها عام 2013م، والتي أفضت إلى الاتفاق النووي في عهد إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق أوباما عام 2015م، ومن خلال ما يعرف (بخطة العمل الشاملة المشتركة)، التي تنص على تدمير أو إرسال 98% من مخزون اليورانيوم الإيراني إلى الخارج، إضافة إلى إزالة ثلثي أجهزة الطرد المركزي المخصصة في إنتاج الوقود النووي، وهو ما يعني توقف العمل بمفاعل الماء الثقيل الذي ينتج البلوتونيوم الضروري لإنتاج قنابل نووية، إضافة إلى السماح لإيران بتخصيب اليورانيوم بنسبة نقاء لا تتجاوز 67.3% إلى غير ذلك من بنود الاتفاق المذكور، حيث وافقت عليه إيران شريطة رفع جزء كبير من العقوبات الدولية، خاصة مبيعات النفط وصناعة الشحن والقطاع المصرفي، والسماح لها باستخدام 100 مليار دولار من أموالها المجمدة في الخارج بسبب تلك العقوبات، وقد بدأ سريان الاتفاق في يناير 2016م الذي ضمن لإيران إنتاج كميات غير محددة من اليورانيوم المخصب بعد عام 2031م، وبمجيء الرئيس ترامب للسلطة، أعلن عن انسحابه من الاتفاق في شهر مايو 2018م بحجة أن الاتفاق لن يمنع إيران من تطوير السلاح النووي، وأن الاتفاق معها يجب أن يشمل قيوداً ملزمة على برنامج الصواريخ الباليستية، والحد من تدخلاتها الإقليمية، وإنهاء صلاتها بالإرهاب، لكن الملاحظ أن هذا الانسحاب أتاح لإيران الفرصة لتتوسع في برنامجها النووي منذ العام 2019م، وتعمل على تخصيب اليورانيوم بدرجة من النقاء، تصل إلى 60%، كما واصلت صناعة أجهزة الطرد المركزي بشكل متقدم في منشأتي (فوردو، وكرج) والخاصة بإنتاج الوقود النووي، إضافة إلى تسريعها إنتاج معدن اليورانيوم المهم في صناعة السلاح النووي، ومع وصول الرئيس بايدن للحكم في أمريكا استؤنفت المفاوضات في شهر أبريل الماضي، وبجولات بلغت حتى الآن ثماني جولات، دون إحراز تقدم يذكر، بل تزامن مع الجولة الثامنة الحالية ونهاية السنه الميلادية المنصرمة، إطلاق إيران برنامجها الفضائي بصاروخ باء بالفشل. وبإمعان النظر في هذا المسار الطويل من المفاوضات، نجد أن نتائج كل هذه الجهود أشبه ما تكون بمادة الزئبق الشديدة الكثافة والعصية على الإمساك بأجزائها وتشكيلها بالطريقة المرضية، بل تكاد تكون مفاوضات 5+1 تهدف إلى جعل المفاوضات هدفاً بحد ذاتها من أجل إشغال دولالمنطقة وشعوبها بهذه القضية على حساب القضية الفلسطينية وقضايا التنمية، وترك الحبل على الغارب لإيران في تمددها في أجزاء كبيرة من المشرق العربي، وتصدير الخراب لتلك الدول، ونشر مذهبها الاثنا عشري في أكبر نطاق ممكن، وزرع الفتن في هذه الفضاءات العربية، دونما حسيب أو رقيب، إن عدم كبح السلوك الإيراني ودعم ميلشياتها الإرهابية في لبنان والعراق وسوريا واليمن لدليل على وجود تماهي بين المخطط الإيراني وأجندة الغرب ورضاهم على سلوكها العدواني، وأن المفاوضات هي مجرد غطاء لشيء أكبر وأخطر يحاك لدول المنطقة وشعوبها.