د. عيد بن مسعود الجهني
القوة ضاربة في أعماق التاريخ فالحضارات كلها والدول والإمبراطوريات القديمة كانت القوة هي التي قامت عليها ورسالة دين الله الخالد، القرآن الكريم في نصه القطعي {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ} الأنفال 60.
ومغازي الإسلام في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - سجلها التاريخ الإسلامي بأحرف من نور، وهي تعكس لنا عبر ودروس القوة في صدر الإسلام، قوة الحق ضد الباطل، قوة العدل ضد الظلم.
ومن يقرأ التاريخ العسكري الإسلامي لا بد أن يقف يحفه الفخر عندما كان السيف والرمح والخنجر والدرع والخيل ووجود كل هذه الأدوات أساساً للقتال التي يحركها الشجاعة المطلقة، ففي موقعة الخندق الشهيرة عندما اقتحم المشركون الخندق طلب عمر بن ود العامري من يبارزه من المسلمين وكرر النداء، فقام إليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم اجلس إنه عمر بن ود وعندما كرر المشرك النداء طالباً المبارزة أذن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لعلي رضي الله عنه، وأعطاه سيفه ذا الفقار، وألبسه درعه وعممه بعمامته وقال: (اللهم أعنه عليه، اللهم هذا أخي وابن عمي فلا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين)، ودارت المبارزة بين علي رضي الله عنه والمشرك وقتله علي رضي الله عنه وانتصر الحق على الباطل.
هذه هي الشجاعة تتحدث، إنها (القوة) فلا خوف ولا رهبة من العدو.
قال الشاعر القاضي الفاضل:
إنّ الشَجاعَة وَهي مِن أَوْصافِه
غَلبتْ عَليْه فَهي مِنْ أَسْمَائِه
مكيافيلي في كتابه (الأمير) كان يدعو إلى استخدام (القوة الخاطفة) كما تسمى اليوم، أي استخدام القوة الأكبر التي تبطش في أقصر مدة زمنية لتؤدي النتائج المرجوة أو ما يطلق عليه (الصدمة)، وهو ما يعرف اليوم بالحرب الخاطفة التي تنهي مشروعاً معيناً تعتبره دولة ما أنه يلحق ضرراً بأمنها واستقرارها، ومثال حي لاستعمال (القوة) قيام إسرائيل بتدمير مشروع العراق الذي ادعت في تلك المرحلة من التاريخ أنه لصناعة أسلحة تدميرية.
وفي هذا الزمن إسرائيل تلوح سراً وعلناً أنها عازمة على تدمير مشروع طهران النووي ومؤخراً ذهبت بعض الآراء الإسرائيلية إلى القول إن الدولة العبرية بالفعل تقوم بإجراء تدريبات عسكرية دقيقة استعداداً لشن حرب متطورة سريعة تقضي على مشروع إيران النووي المتطور، لكن الحقائق تقول إن إسرائيل لن تفعل وهي ليست سوى جعجعة لكن لم نر طحيناً.
النظام الدولي في عالمنا المعاصر يرتبط بموازين القوى، عبر تحالفات بين الدول لتحقيق مفهوم محدد لعلاقات الدول بين بعضها البعض لتحقيق مصالح كل دولة وحماية أمنها واستقرارها، وفي مقدمته بناء التحالفات التي تؤكد معنى وأهمية (القوة).
لهذا فإن القوة هي التي تمثل القدرة على التأثير في سلوك الدول الأخرى في المحيط الإقليمي بل إنها (القوة) هي التي تفرض على الدولة أو الدول أو المنظمات (الإرهابية) قبول طلبات صاحب القوة في الشكل والمضمون الذي يحدده خلال مدة أو مدد محددة في قضية أو قضايا محددة، وبهذا فإن القوة أقوى الوسائل لتحقيق هدف حددته دولة تملك (القوة) بكل عناصرها.
ولا شك أن الدولة أو الدول عندما تنفق الأموال لبناء القوة ليس لاستعراض قوتها إنما لتأكيد الدفاع عن سيادتها وحدودها وشعبها وأمنها واستقرارها، بل ونجدة أشقائها وحلفائها على المستوى الإقليمي والدولي.
الدولة تتكون قوتها من عناصر عدة تستخدمها في الوقت والزمن المحددين، في الحاضر والمستقبل بل وعلى المدى الطويل، هذه العناصر أو القدرات يتم تطويرها والاستفادة منها وفي مقدمتها عدد سكانها وموقعها، مواردها الاقتصادية، الصناعة، التطور العلمي والتقني.. إلخ.
تلك قدرات تبرز قوة الدولة العسكرية، فجيش الدولة القوية يجب أن يكون في وضع استعداد دائم لاستخدامه في أي وقت قد تتعرض فيه الدولة أو حدودها للتهديد من دولة أو منظمة أو حزب إرهابي أو جماعة مسلحة خارجة على القانون أو حتى من أفراد لهم تكوين مستتر يحمل صفة الإرهاب.
وهذه الصفة أي ممارسة دور الإرهاب والحروب بالوكالة هو ما تقوم به إيران ليس اليوم بل منذ عام 1979 تاريخ ثورة الخميني، ولنسم الأحداث بمسمياتها، الدولة الفارسية هي العدو الأول تليها الدولة العبرية، ما يسمون أنصار الله وحزب الله والحشود الشعبية وغيرهم إنما هم وكلاء لإيران وأسلحتهم وتموينهم ورواتبهم من إيران، وهذا تصريح صريح لنصر الله، الذي أضاف أنه تحت أمرته مئة ألف من المقاتلين ومثلهم من الصواريخ الإيرانية.
الحوثيون المصنفون دولياً إرهابيين مثلهم مثل حزب الله والحشد الشعبي، سلاحهم من طائرات مسيرة وصواريخ وغيرها من العتاد العسكري صناعة إيرانية، إذ كيف يطلق صارخ طوله (20) متراً ومداه أكثر من (1000) كيلو متر على بلاد الحرمين الشريفين من اليمن، يصنعه الحوثيون؟
هذه الأسلحة المتطورة تنقل من إيران عبر البحر والجو مفككة يجمعها الخبراء الإيرانيون في صنعاء لتركيبها لتصبح جاهزة للإطلاق على أيديهم، والتهريب هذا عجلته مستمرة وأخيراً وليس الأخير أوقف الأسطول الخامس الأمريكي شحنة أسلحة إيرانية ضخمة في طريقها إلى الحوثيين.
الإيرانيون وحزب الله هي المصنعة لجميع الأسلحة، وخبراؤها هم الذين يقومون بإطلاقها على الأراضي السعودية، وقرار مجلس الأمن رقم 2216 الخاص بحظر توريد الأسلحة للحوثيين مع دعم المجلس للرئيس اليمني السيد هادي وجهود مجلس التعاون الخليجي لتطبيق الحل السياسي القائم على مبادرة المجلس.
لكن إيران تجاهلت قرارات مجلس الأمن بل ترفض الحل السلمي لتبقي على اليمن يعيش حالة حرب أهلية تديرها طهران.
هذا هو نظام الملالي في ثورته عام 1979 فقد أعلن تصدير ثورته إلى دول الجوار، وأعلن تحرير القدس الشريف والطريق من العراق، وأهدته الإدارة الأمريكية بلاد الرافدين وأصبح له القدح المعلى في بلاد الشام ولبنان، ولم يطلق رصاصة واحدة تجاه إسرائيل.
وبدلاً من ذلك ها هي دولة الفرس ترسل صواريخها إلى بلاد الحرمين الشريفين، وكم من صاروخ وجه إلى المملكة ليكشف الله جلّت قدرته نوايا هؤلاء الخبثاء أعداء الدين.
ولأن بلاد الحرمين الشريفين حماها الله جلّت قدرته، فهي أشرف البقاع وأفضلها وخير البلاد وأكرمها، منها انطلق شعاع التوحيد ليضيء الكون بأسره، مولد الرسول صلى الله عليه وسلم وبعثته كانت منها، بدأ الوحي من مكة المكرمة بها الكعبة المشرفة قبلة المسلمين أجمعين {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا} البقرة 125، {وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ} التين 3، ولأن المملكة تدرك أن إيران لا تخفي نواياها العدائية ليس للمملكة فقط بل لدول مجلس التعاون ودول عربية وإسلامية أخرى فإنها منذ عقود تبني قواعد قواتها العسكرية ضمن منظومة متطورة من الأسلحة الحديثة من معدات عسكرية وقدرات تكنولوجية وجاهزية جيشها للقتال.
ولذلك فإن تهديدات إيران وتدخلها في اليمن لتعلن الحرب على بلادنا قوبلت بوسائل ردع متطورة جعلت نظام الملالي في حيرة من أمره، وهو يشهد (قوة) بلاد الحرمين الشريفين تردع قواته بكل أنواعها وردت على أعقابها.
ويجب أن تفهم القيادات الإيرانية أن المملكة لم ولن تقبل أن تتواجد مجموعة إرهابية أو إيران نفسها في الجارة اليمن، لأن هذا فيه تهديد لأمننا واستقرارنا وسيادتنا وحدودنا.
ويجب أن تدرك طهران أن المملكة تملك كل أدوات القوة الصلبة والخشنة وتستعملهما متى ما أرادت.
ولأن طهران لا تفهم سوى لغة القوة فدرس ضرب مطار صنعاء يبرز عبر ودروس قوة بلاد الحرمين الشريفين.
والله ولي التوفيق.
** **
- رئيس مركز الخليج العربي لدراسات واستشارات الطاقة