«الجزيرة» - علي العنزي:
يواجه عدد من تجار ومستوردي المواشي الحية في السعودية ضربة موجعة بسبب وقف الاستيراد من دول القرن الإفريقي والذي مضى عليه أكثر من خمسة أشهر تقريبًا، الأمر الذي ألحق بهم خسائر مالية محليًا وخارجيًا، حيث تعثرت بعض أعمال مؤسساتهم لارتباطها بعقود توريد وإعاشة داخل المملكة وتخدم السوق المحلية. وأوضح لـ "الجزيرة" أصحاب مؤسسات لتجارة المواشي أنهم تضرروا جراء وقف إرساليات (أغنام - جمال - أبقار) من دول القرن الإفريقي (الصومال، وجيبوتي) والتي تزود السوق السعودي بنحو 60 % من استهلاكها سنوياً، وهو ما حملهم أيضاً تكاليف إضافية في البلد المصدر والتي من بينها تكاليف الحجر والتغذية والعناية وغيرها.
تحدث لـ "الجزيرة" رجل الأعمال منصور حسن المالكي رئيس مجلس إدارة شركة منصور المالكي للمواشي، عن تعرض عدد من مؤسسات استيراد المواشي لتعطل بعض أعمالها بسبب وقف استيراد المواشي من دول القرن الإفريقي منذ خمسة أشهر تقريبًا، ومنذ ذلك الوقت والإرساليات متوقفة تمامًا والسوق المحلية هنا تشهد حدوث ارتفاع تصاعدي في أسعار المواشي بكل أنواعها حيث تجاوز مداها حتى اليوم حاجز الـ 50 % ولا تزال مستمرة في الصعود بسبب نقص المعروض.
تعطيش ومغالاة
وقال المالكي: "إنه حدث تعطش بالسوق وهناك من استغل فترة وقف الاستيراد بالمغالاة"، مطالبًا بأهمية إعادة النظر في إيقاف استيراد المواشي من دول القرن الإفريقي والتي تجد طلباً كبيراً من قبل المستهلك المحلي الذي اعتاد على هذه النوعية من الأغنام والجمال، ولأن أسعارها تظل في متناول اليد وتراعي ضعف القوة الشرائية، خصوصًا أنها تستحوذ على حصة كبيرة من حجم استهلاك اللحوم في المملكة.
مصر تدخل على خط المنافسة
ويرى المالكي أن مواشي القرن الإفريقي تجد حالياً إقبالاً كبيراً من قبل الكثير من الدول التي كانت إلى وقت قريب مصدّرة للمواشي فأصبحت الآن تستورد منها وعلى رأسها جمهورية مصر العربية، فهناك منافسة كبيرة حالياً بين الدول للاستيراد من دول القرن الإفريقي، وقال "لقد دخلنا أخيراً السوق المصرية للاستفادة من هذه الفرصة".
وأشار إلى أن جميع إرساليات المواشي كانت تأتي من محجر صحي معترف به رسميًا من قبل المنظمة العالمية للصحة الحيوانية (OIP) يوفر الاشتراطات التي تفرضها الدولة المستوردة، حيث تمر المواشي بجميع التدابير الصحية والاحترازية للتأكد من سلامتها وخلوها من الأمراض ويتم إخضاعها لفترة الحجر المحددة قبل أن يتم شحنها وتصديرها إلى المملكة.
غلاء لافت بالأسعار
وفي السياق ذاته أكد بندر شباب العتيبي - صاحب مؤسسة لتجارة المواشي في الرياض - أن وقف الاستيراد تسبب بشكل وأضح في فقد حصة من السوق خاصة مع الوضع الذي تشهده السودان حالياً من اضطرابات وتوقف عمليات الاستيراد، مما أدى إلى حدوث ارتفاع عشوائي في أسعار المواشي بشكل لافت.
"البربري" يعيد التوازن
وقال: "إن الأغنام والتيوس البربرية والجمال التي تأتينا من دول القرن الإفريقي كانت تغذي نحو 60 % من استهلاك السوق المحلية، وترتفع هذه النسبة خاصة في موسمي رمضان والحج، ويتم استيرادها وبيعها بأسعار معقولة جدًا، وهي تلبي حاجة السواد الأعظم من المستهلكين حيث لا يتجاوز سعر الخروف 400 ريال مما يجعلها تخلق توازنًا في أسعار اللحوم في السوق المحلية". وتوقع مدير مؤسسة بندر العتيبي لاستيراد وتصدير المواشي استمرار ارتفاع أسعار المواشي بكل أصنافها في السوق السعودية خاصة بعد أن نفد كمية المواشي الإفريقية التي تم استيراداها سابقًا، وأصبح التركيز الشرائي على المواشي المحلية التي هي أصلاً تشهد أسعارًا مرتفعة جدًا بسبب غلاء الأعلاف التي وصل معها سعر كيس الشعير زنه 40 كيلو جرامًا إلى 75 ريالاً، فضلاً عن كون الأغنام المحلية تعاني من نقص حاد بالمعروض منذ تاريخها.
دول الخليج تستورد
ولفت العتيبي إلى أن معظم دول الخليج (باستثناء السعودية) لا تزال تستورد مواشي القرن الإفريقي ضمن ضوابط منظمة الصحة الحيوانية العالمية والالتزام بالبروتوكولات الفنية، وهو ما اعتبره دليلاً على سلامة تلك المواشي من الأمراض ومطابقتها لمعايير منظمة الصحة الحيوانية، لافتاً إلى أن بعض التجار اتجهوا بالفعل لشراء المواشي الصومالية (أغنام وجمال) عبر دولة الكويت وسلطة عمان ليتم بيعها في السعودية بأسعار تصل إلى الضعف تقريباً مقارنة بأسعارها في حالة استيرادها مباشرة.
الكل مستفيد
وتسأل العتيبي عن الضرر من استيراد مواشي القرن الإفريقي تحديدًا؟ معتبرًا أن الجميع مستفيد من الاستيراد، سواء كان المستهلك أو التاجر أو المربي وكذلك البلد، فهو يخلق تأثيرًا إيجابيًا على السوق المحلية من حيث التوازن بين العرض والطلب وخفض الأسعار بما يتلاءم مع إمكانات المستهلك، وتحقيق عائد جيد للتاجر.
تحقيق موارد مالية للبلد
وتابع قائلاً: "على العكس من ذلك فإن وقف الاستيراد يؤدي إلى فقدان البلد لعائدات كبيرة ويعيق حركة الاستيراد ويرفع الأسعار ويحرم المستهلك من اللحوم التي يفضلها، وكذلك يحمل المستوردين الكثير من الخسائر، وأن فتح الاستيراد يحقق موارد مالية للدولة من حيث تشغيل القطاع الخاص والأيدي العاملة وتحصيل الرسوم المستوفاة من عمليات الاستيراد كالقيمة المضافة والرسوم الجمركية، وكذلك تنشيط قطاع النقل والموانئ وغيرها".
قرب موانئ التصدير
وأشار العتيبي إلى أن المواشي الإفريقية تتميز بقرب مستواها من الإنتاج المحلي، لذا فهي من البدائل التي يمكن أن تسهم في سد النقص الحاصل في السوق والسيطرة على الأسعار، إضافة إلى أن قرب موانئ تصديرها من المملكة مما يجعل الإرساليات تصل في وقت قصير ولا تتعرض المواشي للإنهاك والتعب أو حدوث فاقد مقارنه بالاستيراد من البلدان الأخرى.
مناشدة وزير "البيئة" بالتدخل
واتفق تجار ومستوردو المواشي على مناشدة معالي وزير وزارة البيئة والمياه والزراعة المهندس عبدالرحمن الفضلي بالتدخل بشكل عاجل لمواجهة الأزمة، وقالوا: "نتطلع لما عهدناه من معالي الوزير إلى تشجع المستوردين لتوفير احتياجات السوق المحلية من المواشي الحيّة طول العام وتسهيل إجراءات الاستيراد وتقديم كل أنواع الدعم اللازم للمستثمرين في هذا القطاع". وأكدوا أن معاودة استيراد مواشي القرن الإفريقي، سيغطي احتياجات وإمدادات السوق وتعويض النقص الحاصل حالياً ويقلل من كميات الأعلاف المستوردة إلى المملكة، على اعتبار أن 90 % من المواشي المستوردة يتم بيعها للملاحم والمطاعم وشركات الإعاشة مباشرة ولا تحتاج إلى أعلاف مقارنة بالمواشي المحلية أو المستوردة للتسمين.
جولة ميدانية
وفي جولة ميدانية في سوق المواشي شرقي الرياض، فقد أكد عدد من المتعاملين في سوق المواشي وجود ارتفاع ملاحظ في الأسعار، حيث يباع خروف نعيمي عمر 6 أشهر بـ 1500 ريال بينما كان سعره قبل خمسة أشهر لا يتجاوز الـ 1100 ريال، ويباع الخروف الحري عمر 6 أشهر بـ 1300 ريال بعدما كان سعره لا يتجاوز الـ 900 ريال، أما التيوس والخراف البربرية فهي تكاد تكون معدومة في سوق المواشي في الرياض، وكانت تتفاوت أسعارها قبل وقف الاستيراد بين 350 و400 ريال للرأس الواحد. كما ارتفع سعر الخروف السواكني من 700 إلى 1000 ريال، والروماني من 700 إلى 1100 ريال، وكذلك الخروف الإسباني وهي من الأنواع الأقل طلبًا من قبل المستهلك، أما أسعار الجمال الإفريقية فقد تجاوزت الـ 4000 ريال للرأس والذي كان في السابق يباع بـ 2500 ريال كحد أقصى، وهو ما أسهم بدوره في رفع سعر كيلو لحم الحاشي المحلي إلى 65 ريالاً بعدما كان لا يتجاوز الـ 45 ريالاً.