ـ أول مرة سمعت وعرفت والتقيت بأستاذي العزيز الباحث الأدبي والتاريخي والمفكر والمترجم والناقد والمحقق والأديب المعروف والشاعر الكبير جناب السيد عدنان بن السيد محمد العوامي .. كانت في إحدى أمسيات (نادي المنطقة الشرقية الأدبي) بالدمام في سنواته الأولى في أواخر سنة 1410هـ،1989م تقريبا، وبهرني إيجابيا شكله البسيط الذي امتاز به أولا، وهندامه القطيفي/ الخليجي، وعدم وضع (العقال) على رأسه، كما بهرني أدبه وعلمه وثقافته الواسعة/اللافتة، وتتبعه المقرون بالأدلة، وذلك من خلال تعقيبه ومداخلاته في أمسيات وأنشطة النادي، ثم بعد ذلك مشاركاته شاعرا و ناقدا ومحاضرا ومؤلفا..
فكان لزاما عَـلـَيَّ أن أتواصل معه وأنهل من علمه وإبداعه وأدبه .
فكنت أشعر ببهجة وسرور وراحة نفسية كلما التقيته في (قبو) مبنى النادي الأدبي في الأماسي والأنشطة التي يقيمها، وكذلك في زياراتي المتعددة للدمام والقطيف لحضور مناسبات مختلفة ..
ثم اقتَـرَبْـتُ من هذا المفكر والباحث والشاعر فكرا وإبداعا أكثر حينما وصلتني نسخة مهداة من أحد الأصدقاء من ديوانه الأول/ بل قل: من سِفـْرِه الأول (شاطئ اليَـباب)، الصادر عام 1412هـ،1992 م، فلمست أدبه وإبداعه وتنوع ثقافته وغزارة فكره عن قرب أكثر، وهذا الديوان قد قرأته أكثر من مرة ..
ـ وتمضى الظروف بحَـسَـنها في تكريس العلاقة بهذا السيد القطيفي القح، وذلك عبر قراءاتي بعض قصائده في المجلات الثقافية السعودية، كـ(المجلة العربية) وغيرها..
وكذلك مواضيعه الدّسمة الثّرّة في مجلة (الواحة) الفصلية التي تعنى بتراث وتاريخ وثقافة وفنون الخليج والجزيرة العربية في أعدادها الكثيرة المتواصلة .. أقرؤه مبدعا .. شاعرا، وناثرا..
ـ كما لفتت انتباهي ودهشتي تجربته الثرية في الترجمة من الانجليزية إلى العربية وذلك من خلال نشر حلقات متسلسلة وطويلة من ترجمة بعض الكتب الأجنبية التي تناولت تاريخ المنطقة وأحداثها وشؤونها العامة، أو الرد على كتب عربية مترجمة من كتب أجنبية قام غير الخليجيين العرب بترجمتها، وذلك بالرد على المترجم، وتصحيح ترجمته ومعلوماته والتعقيب عليه ونقده، ونشر كل ذلك في حلقات في مجلة (الواحة) الآنفة الذكر، وكنت أحرص كثيرا على قراءتها ومتابعتها ..
كما كنت أدهش من قدرة أديبنا السيد عدنان على دقة ترجمته التي ينحو بها نحو (الترجمة المعنوية .. لا اللفظية)، ودقة المعلومة التي يوردها في الترجمة، أو الردّ عليها، أو النقد أو التعقيب، أو التصحيح أو الإضافة، وكل ذلك مدعوم بالدليل والوثائق والشروح والبيان والإحالات ..
هذا إلى جانب نشره لقصائده ومقالاته في المجلة المذكورة التي توقفت عند العدد (66) ..
كما أنه كان يقوم بالتعقيب والإضافة والكتابة في هوامش المقالات والمشاركات التي تنشرها هذه المجلة، وبخاصة بعد أن تسلم إدارة التحرير فيها ..
ـ هذه المحطات الثلاث الأولى التي جعلتني أكسب معرفة أديب وأستاذ وباحث كبير؛ لا يجب أن تـُفـَوِّتَ اللقاء معه دون أن تـُضيفَ شيئا لثقافتك منه .
وكنت أحرص في كل مرة أذهب للنادي أو القطيف على لقائه والحديث معه، وأفتحُ بابا ما ليتدفق حديثه فيه كالسيل النهري العذب..
ـ أما الجانب الشخصي لأديبنا فهو ـ كما يعرفه الجميع ـ هادئ الطبع حاضر البديهة، باش الوجه مبتسم دائما،(رغم بعض الويلات والخطوب التي حدثت له على المستوى العائلي من فـَقـْـدٍ، وعِـلـَـلٍ، ومعاناة لبعض أهله وأبنائه) .. كما أنه حاضر النكتة والقصة والموقف الطريف، مثلما هو حاضر للحدث التاريخي والأدبي وعلم الرجال ، وتواريخ المكان والأحداث .
ـ وهو كذلك كريم ذو قلب رَحـْب، ومجلس عامر بالضيوف والأصدقاء؛ وكان في ذلك ـ أطال الله عمره ـ لم يتوقف عن دعوتي لأتشرف بزيارته في منزله الكريم بالقطيف كلما رآني .
ولقد شرفني بزيارته لمنزلي في الأحساء مِرارا، وكان آخرها مع أستاذنا الأديب المعروف خليل الفزيع (أبي الوليد)/ الصديق الصدوق لشاعرنا السيد أبي احمد .. ولي أيضا.
ـ وللسيد عدنان العوامي حضور بهي في مجال البحث العلمي والأدبي والتحقيق ـ كما ذكرنا ـ، وأبرز ما قام به في هذا المضمار.. هو ذلك التحقيق الكبير لديوان الشيخ جعفر بن محمد الخطي القطيفي المعروف بـ(أبي البحر الخطي)، ونشره وإصداراه عام (1426هـ،2005م)، في جزأين قـَيِّـمَيْن، مُـزَوَّدَيْن بالشروح والتعليقات والمصادر والإحالات والوثائق والمراجع ..
فهو إن اكتفى ـ في الجانب البحثي والتحقيقي ـ بإنجاز هذا العمل .. فهو حسبه به.
بَـيْـدَ أنه أنجز أعمالا أدبية وتاريخية وإبداعية أخرى مختلفة تحقيقا وبحثا ومراجعة وإعدادا وتدقيقا ونشرا، وسأذكر ما وقع في يدي منها، وما هو في مكتبتي فقط :
1- (ينابيع الظمأ) ديوانه الثاني، الذي طـَرَّزَهُ بإهداء كريم لي بخط يده، وهو إضمامة رائعة من قصائده المميزة ـ وكل قصائده مميزة ـ التي تكشف عن جوانب عديد من روحه ومعاناته وغزارة أدبه وذكرياته ومخزون ثقافته الواسعة..
2- (رحلة يراع) من تأليفه، في السيرة والتاريخ والأدب واللغة والفنون .
3- (قطوف وحروف) من تأليفه، في التاريخ والتراث والأدب، مزود بالوثائق والصور كسائر كتبه الأخرى، وفي هذا الكتاب يـَـذكـُرُني السيد أبو أحمد ـ جزاه الله خيرا ـ بعبارة عطرة لها أثر ووَقـْعٌ طيّب في نفسي، وذلك في مقدمة مقالِـهِ المُعَنـْوَن بـ (مسيرة الصحافة من لواء نجد إلى المنطقة الشرقية)، ص: 41 من الكتاب، وهو يتحدث عن دعوة (نادي الأحساء الأدبي) له للمشاركة مع الأستاذ محمد بن عبد الرزاق القشعمي لتقديمها في ندوة تحمل عنوان المقال المذكور في النادي..
والكتب الآتية.. هي لغيره، وقام هو بإعدادها وتحقيقها، ومراجعتها وتدقيقها، والتعليق عليها وكتابة مقدماتها ونشرها:
4-(بقايا الرماد)، ديوان شعر للشاعر القطيفي الراحل عبد الوهاب بن حسن المهدي (المجمِّر).
5-(عنوان الحب) ديوان الشاعر القطيفي الراحل محمد رضي الشماسي .
6- (سيدتي الكلمة) في اللغة والأدب للشاعر القطيفي الراحل محمد رضي الشماسي
7- (الأديب الإنسان محمد رضي الشماسي) كتاب تأبيني في الشاعر القطيفي الراحل .
8- (الأعمال الشعرية الكاملة) للشاعر القطيفي الراحل عبد الله الجشي منشورات عبد المقصود محمد سعيد خوجة ـ جدة.
9- (زعيم في ذاكرة الوطن) ذكرى وفاة علي بن حسن ابو السعود .
10- (من أعمال أبي السعود الأدبية) لعلي بن حسن أبو السعود
11- (شيخة) .. رواية واقعية تاريخية للزعيم القطيفي علي بن حسن ابو السعود
والحديث عن استاذنا أبي أحمد يطول وفي الوقت نفسه يشتاق المرء أن يكتب عنه أكثر وأكثر ..
وأختم هذه الشهادة بموقف شعري طريف حصل بيني وبينه مؤخرا، وذلك أنني أرْسَـلـْتُ له رسالة تذكير بالجوال لحضور الأمسية الشعرية التي أحييها في (منتدى الثلاثاء الثقافي) بالقطيف مساء الثلاثاء 1441/7/8 هـ، الموافق: 2020/3/3م، هذا نصها:(صَبَّحْـكَ الله بالخير سيدنا.. رسالة تذكير بأمسية الليلة إذا سمحت ظروفك) .. فأرسَــلَ لي الأبيات الثلاثة التالية:
وحتـّى لو تُعـانِـدُني ظـُروفي
أُوَسِّـعُـها .. كـمُتـَّسَـع السَّـماءِ
وكيفَ تـَضِـيقُ بي أبَـداً ظـُرُوفٌ
فـَتـُحْـرمُ مَسْمَعِـي عَـذْبِ الغِـناءِ ؟
فإنْ ضاقـَتْ، وذاك لها مُـحـالٌ
رَفعْتُ لها (الجَريدَ) من (الحَسَـاءِ)1
فأجبته بهذه الأبيات، وقرأت الأبيات الستة في الأمسية المذكورة.. :
أُعِـيذُكَ أن تعانِـدَكَ الظـُّرُوفُ
وأُحْـرَمُ من لقائك في المساءِ
فإنّ لقاءكَ المَرْجُـوَّ .. فـَوْزٌ
وتشريفٌ، ووَجْـهٌ للوفاءِ
وتاجٌ فـوق رأسي من أديبٍ
رفيع ِ الـقـَـدْر، ينبـِضُ بالعَـطاءِ
ـ أطال الله عمر أستاذنا وأديبنا السيد عدنان العوامي، وأشكر في نهاية السطور شاعرنا الكبير الأستاذ مصطفى أبو الرز على هذه الباردة، والعمل الذي يعكس وفاءه ونبله تجاه واحد من كبار مبدعي بلادنا ..
... ... ... ... ...
**هذه الكلمة والشهادة كتبت وأعدت في الأصل، لتكون مشاركة في الكتاب التذكاري الخاص بشهادات معاصري الشاعر السيد عدنان العوامي الذي يقوم بتأليفه وإعداده الشاعر العربي الفلسطيني الأستاذ مصطفى حسن أبو الرز، وقد أستأذّنـْـتُه في نشرها، والتصرف بها
1- هنا إشارة ولمحة ذكية من الشاعر السيد عدنان العوامي في استخدامه إحدى نتاجات النخلة، التي تكثر في الأحساء حيث يعيش بها شاعر هذه الأمسية .
** **
محمد الجلواح - الأحساء - القارَة